الأستاذ عبدالرحمن الدويري
واضح تماما أن السلطة التنفيذية جادة في مصادمة كل العناوين العريضة التي انطلقت من خلالها إلى هزلية الإصلاح السياسي التي بدأتها، فهي تذبح كلَّ ما في الحظيرة من وعودٍ كانت أعلنت غير مرة أنها إنما جاءت بها لتنموَ وتترعرع في مراعيها، وأّنى لأرض بلقع أن تُسمّن فأرا !!
منظومة الحكم بسلطتها التنفيذية لا تمزح. كيف لا وبيدها بصمة الـ(111) المحمّصة والمتبلة بالخلطة الشاهينية التي تمرّر بسرعة البرق قوانين فرضها حماة الفساد، وتصفع بقفا اليد إرادة الشعب، وأحلام الناس.
إنها ليست مزحة، فالعناوينُ غيرُ اللفظية هي التي تغلبُ دائما، وتتجسدُ لتكشفَ حقيقة مُطلقيها، والعنوان غير اللفظي للإصلاح عندنا تجسد في حكومة البخيت منذ البداية وفحواه: أتريدونَ إصلاحا؟؟!! طَبْ خذوا، فهذا هو الإصلاح.
إنه المشهد السوري يتكرر عندنا بصورة ناعمة خادعة، لكنها أشد ألماً من ركلات شبيحة النظام السوري على البطن والوجه مصحوبة بلازمة: (هاي منشان شو؟ منشان الحرية، وهاي منشان حقوق الإنسان).
سأقسوا قليلا وأقول إنّها البصقة في وجوه الأردنيين جميعا - وأنا لست مازحا - فقد قرأت هذا المعنى في مئات الوجوه وهي مشدوهةٌ بهذا العنوان، وكانت من الذكاء أنها قرأته مبكرا، فغسلت وجه أحلامها قبل يديها من كل خير يرتجى لإصلاح المعطوب وتسكين الأوجاع الاجتماعية والاقتصادية والنفسية للفرد الأرني المسحوق.
من هنا نقول أيضا: إنها ليست مزحة، وإن هذا لن يمر إلا إذا كانت تلك الفئات المتحكمة بالقرار قد استبدّ بها الجنون، وأخذها الاستخفافُ بصوت الناس كلّ مأخذ، وقرّرت أن تغرق السفينة، أو أن ترمي في هشيم المشاعر الشعبية عود الثقاب بعد تشعل سيجار النشوة بالانتصار على إرادة من هم في نظرها مجرد القطيع.
إيها العقلاء، إنها ليست مزحة، وأنتم مدعوون إلى لحظة صدق مع الذات، وما عليكم إلا أن تعيدوا الشريط، لتقرؤوا وتسمعوا الصدى المتردد في الطفيلة وذيبان والكرك ومعان وإربد والخرج وعجلون، وتركزوا في اللغة، وتتلمسوا النبرات التي تلبس الأحزمة الناسفة، وتقول: لكم نحن نمثل حالة البوح التي كسرت الحواجز لتقدم لكم عينة مما خلف السدود، وتنذركم طوفانا قادما فهل أنتم مدركون؟؟!!
إنها ليست مزحة، فالناس عافت التزوير، وما عادت تطيق الصبر على عوار المسلك، وضاقت ذرعا بأسلوب التعامل معها من منطق التجهيل والإعاقة وعدم الأهلية لتقرير النافع والضروري من الخطوات الإصلاحية.
سيستمر الناس في الحراك، وسيرفضون الحكومة القادمة، وسيعرضون عن كل الوجوه البالية، وستقاطع القوى الحزبية والوجوه الوطنية الحرة الانتخابات بشقيها البلدية والنيابية، وسَتُشكك بها سلفا إن إجريت في ظل هذه الأجواء، وبإدارة هذه المنظومة المجروحة والمتهمة في أدائها في ذاكرة الصناديق القاتمة التي أنّت طويلا من حِراب الشك الذابحة لأجنّة الثقة .
هذه لسيت مزحة، ولا لعبة ورق في نادٍ ليلي قبيل أذان الفجر في ذروة التسطيل.
إنه الجدُّ الذي لا يقبل الهزل، وصيحة الراحل ما قبل الرحيل، فهل نستفيق جميعا قبل اتساع الثقب، وانهيار السدّ والإتيان من سبأ بالنبأ اليقين؟؟!!!!