أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
الحوثي: عملياتنا العسكرية مستمرة ونسعى لتوسيعها تدريبات في مستشفى إسرائيلي تحت الأرض على مواجهة حزب الله الوطني لمكافحة الأوبئة: الأردن خال من أية إصابات بالملاريا بدء أعمال مشروع تأهيل طريق جرش-المفرق السبت وفاة 5 بحارة في غرق مركب شرق تونس الهلال الأحمر: لا توجد بيئة صالحة للحياة في قطاع غزة مقررة أممية: يجب معاقبة إسرائيل ومنع تصدير السلاح إليها مصر: الضغط على الفلسطينيين قرب حدودنا سيؤدي لتوتر العلاقات مع إسرائيل صحيفة عبرية: مسؤولون إسرائيليون يقرّون بالفشل في وقف تمويل “الأونروا” إصابة 11 عسكريا إسرائيليا في معارك غزة بحث التشغيل التجريبي للباص سريع التردد بين الزرقاء وعمان بدء صرف مساعدات لأيتام غزة بالتعاون بين التنمية الفلسطينية و الأردن لواء ناحال الصهيوني يغادر غزة 4.9% ارتفاع الفاتورة النفطية للمملكة مذكرة تفاهم لرعاية الطفولة المبكرة وكبار السن وتمكين المرأة الصين: نرفض أي تهجير قسري للفلسطينيين أمين عام البيئة يلتقي وفدا نيجيريا وفد مجلس الشورى القطري يطلع على متحف الحياة البرلمانية الاردني "الأخوة البرلمانية الأردنية القطرية" تبحث ووفدا قطريا تعزيز العلاقات "الملكية الأردنية" تؤكد التزامها بالحد من تأثير عمليات الطيران على البيئة
الصفحة الرئيسية مقالات مختارة نسمات الغروب في تلعة السرو؛

نسمات الغروب في تلعة السرو؛

14-06-2022 12:39 AM

بقلم الدكتور المهندس أحمد الحسبان - الحياة جميلةٌ؛ فبالرغم من منغصات تحدث هنا وهناك، وتحديات تنحدر من كل حدب وصوب، لكن جمالها يكمن أنها تحلو بين عصيب الأوقات، تلك الأوقات الطويلة بالشقاء، التي غالباً لا يكون لأنفسنا منها نصيب؛ يخرج من بين ثناياها ابتسامات الامل، وتعلو على محيا الوجوه فيها نضرة وانطلاقة، تكاد تقول لنا: أن الحمدلله على النعم. وأجمل ما في هذه الأوقات وأروعها هو وقت قبيل الغروب، حيث نسمات الرياح اللطيفة تداعب اغصان السرو والصنوبر، لتعزف لحن الغروب الصامت بمفهومه، المتكلم بمعزوفه.

هناك بعيداً في قريتنا الشامخة، حمامة العموش، وعلى حدودها الجنوبية مع حمامة العليمات، تقف بشموخ على أحد جبالها، عدة أشجار سرو وصنوبر عالية، كانت مستظلا لنا وفيئا من حر كروم العنب تحتها، نلجأ اليها انا واخي الاصغر، كلما تصبب عرق التعب من سمر الجباه، وكلما كلّت الامتان من حمل صناديق العنب بتلك التلعة الجبلية، فنستلقي تحتها نراقب تلك الاغصان تتحرك ببطء، وتصدر أنيناً ذا اشجان، وحفيف بعض الاوراق الصفراء تحتها يحدوها لتغني، ولكنها ترفض كل السيمفونيات الا قبيل الغروب، عندما تهب نسمات وداع الشمس الحارقة في تموز، وقتئذ تصدح بها وكأنها مآذن مساجد تكبر قبيل العيد، أو في سحر من الليل ذي هجيع، وترافقها صوت اجراس عودة اغنام رعاة القرية من سحابة نهار طويل شاق، ليشكل المزماران لحن قصيدة عشق قروية، لحنتها نسمات ما قبل الغروب، وغنتها اوتار اشجار تلك التلعة.

تلكم الاوقات الجميلة في الحياة، مستقطعة بعد تعب، واي تعب ذاك، يبدأ من الفجر الاول، في احد ايام اواخر تموز الحارة في ثمانينيات العقد الماضي، يوقظنا الوالد رحمه الله وارضاه، انا واخي الذي يصغرني بعامين- يوقظنا على فطور سريع بعد صلاة الفجر، كنا اطفالا بعمر بدايات ما بعد العشر، لنحمل بعدها عدة صناديق فارغة في صندوق بكب الداتسون موديل ٧٨، ونتجه لذلك البستان الجبلي في قريتنا، بعد ان نصل هناك ونفرغ الحمولة، يتركنا الوالد مودعاً، وموصيا بقليل كلمات تحمل الكثير من الاعمال، فيقول: (ابدأوا بالتينات - طبعا عددها اثنتان في جبل وثلاثة في آخر، وقليل متفرق بين الربوع، ويردف قائلا : بعدين بالدوالي - وهذه الاخرى يتجاوز عددها الاربعين متفرقة بين ثلاثة ربوع في جبلين، اكثرها القريب من تلك السروات السامقة، ثم يضيف: ان زاد كوموه على ارضه لمن ارجعلكم بعد العصر، يا دوب نفرق على عماتكم والجيران، همّوا ابوي النشامى (هابين الريح) - هذه كلماته التشجيعية يرن وقعها في اذني لغاية الآن، ثم ينهي قائلاً: وانتبهوا من الحنيش اللي بالربع الفوقاني - طبعا انتباه هرب وليس انتباه قتال اذ لا سلاح معنا، ويغادرنا نرقبه بعيوننا الصغيرات، ويبعد عنا صوت ذاك البكم الحزين يشق طريقه الترابي الوعر بين اشجار الزيتون، تاركا لنا زوادة من عدة حبات بندورة وخيار، مع صرة ملح صغيرة، وقطعة من حلاوة في كيس ورقي، وكوز ماء كان باردا، ثم التهب ماؤه ظهرا تحت ظل زيتونه لا شرقية ولا غربية - بالكاد تظلل نفسها.

نتراشق نظرات التأفف بعد مغادرته رحمه الله، وصمت المكان حادٌّ أبكم، لا يكاد يكسره الا صياح ديكة في أعالي الجبال في ذاك الصباح الهادئ، يليه وقبل الظهيرة، نهيق حمار يستعد لرحلة مرعى لخراف صاحبه، واجراس الذهاب تقرع في اعناقها. لحظات البدايات دوما صعبة، وغالبا ما تكون كبيرة الاثر في النفس، بطيئة المرور كوقت، لنبدأ العمل، وحسب التوصيات والتوجيهات الابوية، احيانا بصمت، واحيانا ببعض التذمر، وقليلا ببعض النكات القديمة. هكذا كانت عطلتنا الصيفية كطلاب مدارس، نجد في الصفوف والدراسة راحة اكثر منها.

تقبل الظهيرة بحرارتها وصخبها، والبطون تغص بحبات البندورة التي تحولت داخلها الى قلايات ساخنة حارقه، مع بعض الحرقان في البلعوم والمريء، لا تطفئه مياه الكوز الذي يغلي كغلي الحميم والعياذ بالله، ونكمل العمل بجد ونشاط، ولا تبريد يرجى الا من قطرات العرق تنزلق على الوجوه كما الدموع، عندما تلامسها بعض رياح الهجير على جباهنا الصغيرة، فتشكل كندشة طبيعية مستقطعة بين زفرات قيظ صيف ذياك ال (تموز) .

كان أجمل ما في تلك المهمة الصعبة في الجبال، اننا نأكل تينا وعنبا من جني ايدينا، كان لذيذا حلو المذاق، يطفئ على صعوبة ومرارة الحياة طعما مختلفا، يصحبه بعض مذاقات الخوخ الاحمر والاخضر المحصرم الذي تأخر نضوجه، ولا يخلو العمل من لحظات لهو بين الفينة والاخرى على حين حذر من ضياع الوقت، فالوالد بخبرته يعلم كم من المحصول سنجني في ذلك اليوم بدون ان يراقبنا، ساعات العمل بصمت لديه محسوبة بدقة، ويعرف نتاجاتها مسبقاً، فيأتي قبيل الغروب، لنحمل ما تم جمعه، وقد احضر معه صناديق فارغه اضافيه، قد راهن بقرارة نفسه على استخدامها لتوقعه بكمية عملنا من جهة، ولكي لا يحبطنا ان رأينا كل الصناديق الفارغة منذ الصباح من جهة أخرى، فكان هذا اسلوبه رحمه الله، تجزئة العمل بالقليل لينتهي بالكثير، ليمرحل الانجاز الي مراحل، ويزيد الثقة بالنفس، ولا تتثاقل الاجساد بالارض، فيجلب لنا السعادة من حيث ارادت لنا الحياة الشقاء.

خلاصة النسمات؛ نسمة الظهيرة كانت بردا وسلاما اثناء عمل الاجساد، ونسمة الغروب والحان قصيدة القرية كانت بردا وسلاما للروح بعد شقاء اجسادها، وسعادة انجازاتها.

الدكتور المهندس أحمد الحسبان.








تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع