تدخل وأنت تستمع لجلالة الملك عبد الله الثاني سواء كان خلال خطاباته أو لقاءاته لعالم ضخم ثريّ بالمعلومات والحقائق، والحلول لأي عقبات وتحديات سواء كانت محلية أو دولية، عالم مليء بالمثالية في كلّ تفاصيل الحياة، ففي كل مرّة يتحدث بها جلالته يعلن عن جديد مختلف بايجابية مطلقة لكافة القطاعات يشكّل أساسا للعمل الناجح، ومنهجية رفيعة للعمل والتحديث والتطوير، واستراتيجية عليا لتطبيق كافة التطلعات المنشودة، فضلا عن منح الجانب السياسي أبعادا قيّمة، وصراحة تتطلبها قضايا المرحلة في التعامل معها.
وتأتي مقابلة جلالة الملك عبد الله الثاني التي أجراها خلال زيارته الهامّة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، الأسبوع الماضي، مع الجنرال المتقاعد هربرت ماكماستر ضمن البرنامج العسكري المتخصص (Battlegrounds)، الذي ينتجه معهد هوفر في جامعة ستانفورد الأمريكية، لتحمل ذات الزخم المعلوماتي والمنهجية الملكية التي تقدّم تفصيلات لقضايا المرحلة وتحدياتها وحلولا لكل أزماتها بلغة العقل والحكمة، وصناعة السلام في زمن الحرب، وتحمل في كل كلمة نهج عمل يقود للإصلاح والتنمية والسلام بشكل عملي ويضع الأمور في نصابها الصحيح.
مقابلة لا يمكن وصفها إلاّ بأنها تحمل عمقا سياسيا واقتصاديا وأمنيا وتنمويا يتطلب قراءات متعددة، لجعلها خارطة طريق تقود لعمل ناحج خلال المرحلة القادمة على كافة الأصعدة، مقابلة شكّلت استحضارا لكل ما من شأنه أن يحقق الكثير من الانجازات والحلول العملية لتحديات المرحلة، مقرّبة «الممكن» بشكل كبير، فقد كانت مقابلة كثيفة المعاني وغنية بالإشارات والرسائل التي تستدعي التحليل، والتطبيق على أرض الواقع سيما وأنها جاءت تحمل اجابات على تساؤلات تدور في فلك المرحلة، وكان بعضها موجّه لجهات محددة.
ملفات وقضايا هامة جدا تحدث بشأنها جلالة الملك، شملت الارهاب والتطرف والعنف والحروب في المنطقة، ورؤية جلالته لمستقبل العمل العربي المشترك ودور الأردن بالمنطقة، وجهود محاربة الإرهاب، وطريقة التعامل مع إيران، حيث أشار جلالته بهذا الشأن إلى جهود بعض الدول العربية في التواصل مع طهران قائلا «نحن بالطبع نريد أن يكون الجميع جزءا من انطلاقة جديدة للشرق الأوسط والتقدم للأمام، لكن لدينا تحديات أمنية»، وكذلك تناول جلالته في اجاباته على أسئلة المحاور الوجود الروسي في جنوب سوريا، مبينا أن «هذا الفراغ سيملؤه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم، وللأسف أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا»..
مصارحة ومكاشفة سياسية لا يمكن أن يضعها أحد في هذا المحل من الوضوح والشفافية، بشكل تفصيلي ودقيق، وبتحليل عملي وواقعي، بعيدا عن أي تغليف للحقائق، أو زخرفة للتحديات، ذكاء وحنكة سياسية تسيّدت كافة ما شملته المقابلة وإجابات جلالته على كافة الأسئلة، وآليات لحلول مشاكل المنطقة، لتكون بحرفيّة المعنى مقابلة غاية في الأهمية.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، التي تعدّ أساسا دائما على اجندة جلالته، أشار جلالته ( إلى حديثه المستمر مع الرؤساء الأمريكيين، وتأكيداته بأن تجاهل الشرق الأوسط «سيعود عليكم بمخاطر أكبر إذا لم تكونوا حريصين»، ولذلك يجب حل القضية الفلسطينية)، هو الحسم الملكي فيما يخص القضية المركزية قضية فلسطين التي لن تخرج لنور السلام إذا لم تجد حلاّ وفقا للقوانين والمواثيق الدولية، ودون ذلك وتجاهل الشرق الأوسط سيعود بمخاطر أكبر، أيضا لغة العقل والصراحة ووضع النقاط على كلمات الواقع والحقائق بشفافية بأعلى درجاتها.
مقابلة واضحة وصريحة على مستوى كافة الرسائل الهامة التي تضمنتها، كما كان جلالته واضحا وصريحا حول كافة القضايا التي طرحت خلالها، مقدّما حلولا قابلة للتطبيق، يزيح عن طاولات البحث أي مساحات ضبابية حول مختلف تحديات المرحلة، ويضع حلولا مؤطّرة بالصراحة والوضوح ولغة الحكمة.