زاد الاردن الاخباري -
كتب : علي أحمد الدباس - حصل ما كنا نخشاه تماماً بعد فاجعة مستشفى السلط وتم اختزال قضية انهيار القطاع الصحي بأزمة الاكسجين حتى أضحى الخبر الاول بالمواقع الاخبارية قيام وزير الصحة المكلف بتفقد مناسيب الاكسجين في المستشفيات التي يزورها واصبح السؤال الموجه لمدراء المستشفيات اعلامياً هو عن مخزون الاكسجين لديهم!
قلنا في الاسبوع الماضي ان نقص الاكسجين هو ازمة ادارة لكن يبدو ان هناك من يتعامى فعليا عن ذلك ويريد تحجيم المشكلة الى مشكلة فنية في الدعم اللوجستي في القطاع الصحي مع ان هذا القطاع يرزح تحت نقص الكوادر والامكانيات وضعف الموازنات الخاصة به في ظل جائحة عالمية بدأت ملامحها محليا تهدد القطاع الصحي برمته!
الازمة هي ازمة ادارة عامة ولا تقتصر على القطاع الصحي سنظل نعيدها ونكررها حتى تحدث فاجعة أخرى لا سمح الله في قطاع خدماتي آخر ؛ وها هي ازمة اخرى سياسية تبرز ملامحها. ونعالجها بنفس الاسلوب العقيم عبر تحويلها الى قضية أمنية بدلا عن اجتراح حل سياسي عميق!
الاردن صمد طويلاً باستعمال ثالوث فريد في الوطن العربي : الرسالة والتسامح والحكمة! فهو يكاد يكون البلد الوحيد عربيا الذي تعامل مع زمن الانقلابات بالتسامح فنجى ! وهو البلد الوحيد عربيا الذي تعامل مع الانهيار الاقتصادي قبل ثلاثين عاما بالعودة الى الحياة البرلمانية فنجى أيضاً! وهو الذي تعامل بحكمة مع الربيع العربي فنجى أيضاً .... وهو الذي اعتمد على نفس الارث من الرسالة والتسامح والحكمة ليرفض صفقة القرم جملة وتفصيلاً بثبات ورسوخ وقوة!
هذا الثالوث هو اكثر ما نحتاجه اليوم لنعبر هذه الازمة المزدوجة صحيا وسياسيا بالحكمة والتسامح والرسالة؛ سواء على المستوى الرسمي او الشعبي ؛ فالحلول الامنية لن تزيد المشهد العميق الا تأزيماً ؛ وعليه لا بد من حراك سياسي واجتماعي كبير يعبر بنا هذه اللحظة الخطيرة جداً ....
الاختباء خلف الظروف الوبائية الصعبة لتبرير المعالجة الامنية هو آخر ما نحتاجه بالفعل ؛ او ربما هو ما يعمق الظرفين الصعبين سياسيا وصحيا .... على العكس تماماً فإن الحالة الوبائية هي ما تتطلب تحرك سياسي سريع جداً لتفكيك الازمة خدمةً للجهود الوبائية لمنع الانهيار الصحي القادم الذي لن يبقي ان حدث لا سمح الله اي دعائم لحماية الامن الاقتصادي والاجتماعي والسلم الاهلي!
هل يمكن لأحد ان يتخيل ردة الفعل الشعبية أمنياً وسياسياً واقتصاديا واجتماعيا ان حدث الانهيار الصحي لا سمح الله ؟ حتى لا نتخيل ذلك علينا ان نعمل منذ الان على محاولة تجنبه عبر سياسة حكيمة متوازنة متسامحة وبنفس الوقت حازمة وعادلة وجدية! وكل دقيقة نضيعها في المعالجة الفورية ستؤدي الى خسارات كبيرة نحن في غنى عنها!
الوطن اليوم بحاجة لعقلاء ؛ وهذا لا يقتصر فقط على الحكومة بل على الناشطين الحراكيين والمطالبين بالاصلاح من شتى الأهواء وما بقي من ارث المعارضة الذي تشتت وتراجع كثيراً في الادوات والطرق والتعابير وربما حتى في قواعد المعارضة المفيدة والهادفة وواضحة المعالم والرسالة! وعلى العقلاء على كل الجبهات ان يستيقظوا فورا ويتوقفوا عن هذه المراهقة هنا وهناك قبل ان تقع الفأس بالرأس!
يكفينا ما خسرناه في الكورونا من ارواح ؛ واحتراماً لهذه الارواح علينا ان نحارب ما بقي من معركة الكورونا الصعبة بوحدة ودون تشويش وبالتأكيد فإن الحل ليس بحمل درع مكافحة الوباء بوجه كل مطلب ؛ بل بتطويع هذه المطالب لتساعد في جهود مكافحة الوباء! ولا نريد فعلاً فوق كل هذه الخسائر ان يسبب الكورونا انهيارا كبيراً في الثالوث المقدس الذي شكل دائماً صماماً للامان وضمانة لمستقبل الاجيال!
مبادرة سياسية مقنعة هي ما نحتاجه اليوم وفورا تحمل مقاربات تسمح بتوحيد الجهود وتركيزها على عبور المنعطف الصحي الخطير الذي اوصلتنا اليه غياب السياسات الواضحة والرصينة وسياسة ترحيل الازمات والتعامي عنها!