لقد سعت دولتنا الأردنية منذ عهد الإمارة قبل نحو مئة عام على تأسيس وبناء القوات المسلحة الاردنية – الجيش العربي – ليكون ركيزة الأمن والاستقرار الأساسية للوطن والأمة ، وسفير سلام في مختلف أرجاء العالم ، وحينما قامت الحروب في المنطقة بسبب احتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية ، كان الجيش الاردني في مقدمة الجيوش العربية في الدفاع عن فلسطين ، فخاض معاركه المشرّفة في كل بقعة من الأراضي المقدسة ، وقدّم التضحيات تلو التضحيات على اسوار القدس وتلال اللطرون وباب الواد ، وروت دماء أبطاله الزكية أرض العروبة في فلسطين والجولان في حرب تشرين 1973 ، كما دافعوا عن أرض الوطن في معركة الكرامة الخالده عام 1968، ولقّنوا الغزاة درسا قاسيا باعتراف قادتهم ، وقدم الاف الشهداء دفاعا عن الحمى الغالي في كل مواقع الشرف والفداء .
وهؤلاء الرجال الذين أفنوا سنوات طويلة من أعمارهم وزهرة شبابهم يتنقلون بين ثغور الوطن مدافعين عن الحمى وحارسين للحدود من كل معتدٍ أثيم ، فقد أصبحوا اليوم متقاعدين ، يستحقون الوفاء والتقدير ، حيث نُحيّي كما قال جلالة الملك عبدالله الثاني عطاءهم الموصول وجهودهم التي لم تنقطع بعد الخدمة ، فهم عزٌ للأردن وأهله في كل موقع وكل وقت ، مؤكدين بلسان حالهم أن انجازاتهم الوطنية في ظل القيادة الهاشمية الحكيمة ، ما كانت لتكون لولا تلك التضحيات التي بذلها من سبقهم من رفاق السلاح ، بدءاً من الثورة العربية الكبرى ووصولاً إلى وقتنا الراهن .. فوفاء وتقدير لهم كرّم جلالة الملك عبدالله الثاني هؤلاء العسكريين المحاربين بتخصيص يوم الخامس عشر من شباط من كل عام كيوم وطني وفاء لهم ، وتقديرا للعطاء الذي قدموه خلال خدمتهم العسكرية ، وتضحياتهم في الدفاع عن الوطن والذود عن ترابه الطهور ، وبينوا ان ما قدمه جلالة الملك للمتقاعدين العسكرين وسام تكريم على صدورهم ، وهي شهادة فخر واعتزاز لكل ما قدمه المتقاعدون والمحاربون القدامى للوطن .
ومع أنهم تقاعدوا من الخدمة إلا انهم لم يتقاعدوا عن إخلاصهم وحبهم للوطن ، فهم ما زالوا يقدرون جهد جلالة الملك الموصول لهم ، والذي لا يترك أي مناسبة إلا ويستغلها في تكريم وشكر المتقاعدين والمحاربين ، وهم بالمقابل لا زالوا على العهد باقين ، ناذرين انفسهم لخدمة الوطن ليبقى قويا منيعا .
ويؤكد المتقاعدون العسكريون على أن المطلوب في هذه المرحلة ، يكمن في التركيز على رصّ الصفوف والتماسك إلى جانب العمل والعطاء بمختلف أشكاله ، خاصة في ظل ما تشهده المنطقة من أحداث وتطرف وإرهاب ، الأمر الذي يتطلب تكاتف الجميع خلف القيادة الهاشمية الحكيمة ، لتجاوز مختلف الأزمات والمحن التي تمرّ بها المنطقة والعمل في سبيل استقرارها بوجه عام .
ان الخامس عشر من شباط يوم وطني للوفاء للمحاربين القدامى والمتقاعدين العسكريين ، إذْ يحمل في طياته معانٍ سامية ودلالات عميقة ، فهذا التاريخ تحديدًا ، يعتبر يومًا من أيام الأردن المشرقة ، ففيه تخليد للدور الكبير الذي قام به الأبطال في التصدي للدفاع عن ثرى الأردن ، وفيه عبق الشهادة والقتال في يوم الكرامة ، يوم امتد العدوان الاسرائيلي على طول الواجهة الشمالية ولستِ ساعات متواصلة بقصف مدفعي وبالدبابات ومن الطائرات ، وخاض جيشنا العربي معركة صمود ، وفيه قبس من الكرامة وجذوة صمود وثبات .
ونحن اليوم نرنو إليهم بحبّ وتقديرٍ وعرفان ، إلا أنّ نفوسهم لا تريد شيئًا ، فمن أفنى زهرة شبابه وعمره – شقاءً وفداءً – للوطن ، فهو لا يريد إلا أدنى مقابل لما قدّمه وضحّى به ، وهو يزهو فرِحاً كيف وطنه نمى وأزدهر تحت حمايته الرصينة وتضحياته العظيمة .
فيا أيّها المتقاعدون العسكريون والمحاربون القدامى ، سلامٌ لكم ولأكفكم الباسلة وجباهكم الطاهرة ، سلامٌ بحجم محبتنا وتقديرنا لكم ، وبحجم عطائكم وتضحياتكم ، فهذا هو إرثكم العظيم في الجندية يستمر مع أبنائكم وإخوانكم ، مجللاً بهيبة شعار الجيش العربي الذي يزين الجباه ، وقد بقيتم على الدوام مثالاً في الانضباط والتنظيم والروح القتالية العالية ،فلكم منا ألف تحية وسلام .