منذ الأزل والتاريخ يروى كما يريد المنتصر ، واليوم نجد أن الروايات للتاريخ أضيف اليها الصورة التي مكنت صانع الرواية من اللعب بجميع مكونات تلك الصورة كي يتمكن من خداع الذاكرة البصرية للمشاهد الذي يفتقد لأية مهارة لفهم هذه اللعبة التاريخية ، وهو نفس المشاهد الذي تربى جزء منه على الرواية المحكاة في الليل بين رعب العفريت ورغبت الأم كي ينام مبكرا ، لعل يأتي الأب مبكرا وتنتهي قصة من أين يأتي الأطفال ؟ ، والجزء الأخر تربى على الرواية المصورة من خلال أفلام الأكشن والخيال العلمي والرسوم المتحركة ، وهي روايات صعب التفريق بينها وبين الواقع من قبل المشاهد الذي وجد في الهروب من واقعه إلى جماليات الحركة في الصورة مخرجا له من بقاء المنتصر مرتبعا على مشهد صورة الخير فقط دون وجود أي جانب شرير به .
وفي الزمن الحالي ونتيجة لعدم تحقق الانتصار أو الهزيمة في المعارك الدائرة على قارعة الكرة الأرضية ، نجد الروايات تتعدد بتعدد المنتصرين والمهزومين ، وكذلك بتعدد الرواة لكل منهما ، وهم رواة يملكون حرفية الكلمة والصورة ، ويوظفون أزلامهم كي يصيغون تفاصيل الرواية بكل مصداقية ولدرجة تصل إلى حد التمثيل ، وهؤلاء الأزلام يمكن شراءهم من قارعة طريق الإعلام من كل حدب وصوب ، وللتأكد من حقيقة ما سبق يكفي أن تجلس في الصباح الباكر وانت تمسك بالريموتكنترول وتتنقل بين القنوات الفضائية العربية منها ، وستجد أنه لايوجد منتصر أو مهزوم في معاركهم، بل مجرد أبواق لها وجوه بشر تجلس أمام كاميرات التسجيل كي تروي ما يريد أن يروى من قبل المنتصر الذي توهم أن المنتصر الأخر هو المهزوم .
والدليل على كبر الوهم الذي يعشيه هؤلاء المهزومين والمتوهمين بالانتصار ؛أن معاركهم لم ولن تنتهي منذ سنوات ، ومع ذلك تجد هؤلاء المنتصرون المتوهمون يخرجون على شعوبهم سعداء وبكامل بهجتهم ويبتسمون لهم من باب أن الذي يبكي فقط هو المهزوم ، وعلى الشعب أن يتوهم الانتصار ويبتسم وإن سقى دمعه أرض الوطن .