كتب : الدكتور احمد الوكيل - تقف المؤسسة العسكرية الأردنية، الجيش العربي في طليعة المجتمع الأردني وتتفوق حتى على المساجد ودور العبادة وحتى الجامعات والأحزاب السياسية الأردنية، من حيث تأهيل وتدريب الكوادر البشرية،فيتخرج من معاهد الجيش كجامعة مؤتة والكلية العسكرية مئات الخريجين من الضباط والقادة الصغار لرفد الجيش العربي والأجهزة الأمنية بدماء جديدة من القوى البشرية القيادية الشابة.
نقول تفوقت منظومتنا العسكرية حتى على المساجد، وهي تصقل شخصية الضابط من رتبة ملازم حتى إحالته على التقاعد بأعلى الرتب العسكرية، فكانت تبني النفوس وتشيد الأخلاق وتطبع فرسانها الضباط والجنود أيضا على خلق الرجولة الصحيحة.
أن يوم التقاعد هو حجر الرحى، وفيه تبرز الثقافة الراجعة التي اكتسبها القائد والجنرال الكبير المحال على المعاش، أن جاز لنا التعبير، وهو يوم إيقاظ الشعور الحي بالوفاء لمليكه وجيشه المصطفوي الذي تعلمه وعلمه للآخرين في الجيش العربي مصنع الرجال،فلكل بداية نهاية كما يقال.
ولنا في كلمات الحسين لجنوده وضباطه البواسل بعد انتهاء معركة الكرامة، يا اخوة السلاح... لقد كنتم امثولة عز نظيرها في العزم والإيمان، في التصميم والثبات، وضربتم في الدفاع عن قدسية الوطن والذود عن شرف العروبة، امثولة ستظل تعيش على مر الزمان، وكان ما حققتموه بدمائكم في معركة الخميس 21 آذار نقطة تحول في مجرى الحوادث، بعد أن سارت على هوى الخصم فترة منذ تلك الأيام السوداء من حزيران عام 1967، فرددتم إلى أمتنا بعض ما إضاعته...
فما أشبه الليلة بالبارحة اخواني رفاق السلاح ممن تمت إحالتهم على التقاعد نقول لكم جميعا أن الوطن يحتاج إليكم، فلنرص الصفوف، ونتداعي لنبذ دواعي الفرقة والخلاف عبر وسائل التناحر الاجتماعي، ونقف في خندق الوطن، في هذه المرحلة الهامة والدقيقة من حياة كل ضابط وقائد تقاعد مؤخرا وسابقا، ونحمد الله جميعاً على السلامة بعد حياة ميدانية سامية في مصنع الرجال.
ولك يا رعاك الله اخي رفيق السلاح، وانت ترى اليوم زرعك الذي زرعت، وقد أثمر قادة الجيش من مساعدين لرئاسة الأركان، ومدراء أكفاء، وقادة مناطق والوية وكتائب،فها هو زرعك قد اينع وانت ترى القادة الصغار بالأمس، وقد اضحوا بالصف الأول من مواقع التشريف والتكليف بالأمانة الغالية، وهم يلهجوا بعين الاعتبار لما قدمت، وانجزت في وصولهم لهذا المستوى القيادي الرفيع.
وانت من سطرت اسمك على لوحة شرف القادة، بحروف من ذهب، حينما كنت قائدا للجيش، ومساعدا ومديرا وقائد منطقة أو فرقة أو عمليات خاصة، أو طيارا حربيا، وفي كل مواقع العز في ثكنات ومدارس وميادين الجيش العربي،وانت تصل الليل والنهار لبناء القادة للنهوض بشرف الخدمة المخلصة بعد غيابك عن المشهد، نتيجة الإحالة إلى التقاعد، فهذة سنة الحياة، ولكل بداية نهاية كما يقال.
أن الحياة الحقيقية تبدأ بعد التقاعد ولكانما الحال، أن تتخيل نفسك في أعلى صومعة الانجاز والتضحية، تنظر للمشهد المهيب لقصة حياتك العسكرية المشرفة، فمن هناك ووسط هدوء الصحراء وغبارها الطاهر، ستجد انك انت ذاك الجنرال الجبل الذي لا تهزه الريح، وانك عنوان الكتاب المقدس، الذي تقرأ منه الأجيال الجديدة من القادة العسكريين الجدد في الميدان.