زاد الاردن الاخباري -
قبل أكثر من أسبوعين ، تحدّثنا حول نيّة جلالة الملك إجراء جملة من التغييرات تطال عددا من المستشارين وكبار الموظّفين المحيطين بجلالته ، ولا نقصد هنا الديوان الملكي ، وإنّما تلك الحلقة الضيّقة القريبة من الملك ، وبما يشي بأنّ قائد البلاد يفكّر اليوم بما هو أبعد من ذلك ، فالمسألة لن تتوقف عند تعيين هؤلاء المستشارين أو قبول استقالة أحدهم .
يدرك الملك اليوم أنّ المرحلة التي نعيشها بالغة الدقّة والأكثر حساسية في تاريخ البلاد ، من خلال بعض المخططات المرسومة أو تلك التي يجري رسمها في العديد من العواصم لترتيب شيء ما في المنطقة ، وربما دفع منطقتنا إلى ما نجهله ، وهو يعلم أنّ تلك المخططات لن تطال قضية ما بعينها ، فهي ستمتد إلى ما هو أبعد ، وربما إلى ما هو أخطر .
فجلالة الملك بحاجة اليوم إلى نخبة مختارة ، تكون في حالة استعداد دائم ، قريبة منه ، ومن تفكيره ، قادرة على الإستقراء ووضعه في صورة ما يجري ، سواء على الصعيد المحلّي أو الخارجي ، وهو الأهمّ في هذه المرحلة ، مع إدراك جلالته أنّ المسألة باتت لا تحتمل سوى الإستعداد لمواجهة ما هو قادم ، وخاصة ما يثار بين الحين والآخر حول ما يسمّى بصفقة القرن ، ومدى إستعداد الأردن للتعاطي معها ، وهو المدرك بأنّ الأردن لن يكون بعيدا أبدا عن تداعياتها ، وهو الملتصق بالقضية الفلسطينية وينظر إليها كقضية وطنية داخلية .
فالملك اليوم يقوم بتعيين مجموعة من المستشارين في ثلاثة حقول ؛ السياسية والإقتصادية والإعلامية ، وهو ما يحتاجه جلالته بصورة دائمة ، فلا بدّ من القراءة الدائمة والرؤيا الثاقبة والتحليل والإستنتاج ، واستكشاف الآفاق المستقبلية ، من نخبة نأمل أن تكون قادرة على أداء مهامها بامتياز ، لأنّ ما يحيط بنا اليوم لا يحتاج لأيّ تراخ أو تباطوء ، فالأمور تتسارع ، والأحداث تتلاحق ، وما يجري خلف الكواليس ما زال يحتاج لفكّ طلاسمه ، التي باتت تؤرّقنا وتثير فينا الخشية والهواجس من المجهول .
وباعتقادنا أنّ ما أقدم عليه جلالة الملك في الحلقة الضيّقة هو البداية لما هو قادم في عملية ترتيب للبيت الداخلي ، وعلى عدّة مستويات ، مع ضرورة الفصل بين إجراءات تعيين المستشارين وما يجري أيضا في الديوان الملكي ، حيث بناء على توجيهات الملك لرئيسه يوسف العيسوي ؛ يسعى جلالته بأن يستمر الديوان في مهامه بعيدا عن الشأن السياسي ، للتفرّغ لما فيه مصالح المواطنين وهمومهم وقضاياهم ، على خلاف ماكان عليه في السابق .
بعد الإجراءات الأخيرة ؛ الملك ينظر إلى الحكومة متأمّلا بعين ثاقبة ناقدة ؛ صحيح أنّه ما زال يثق كثيرا بالدكتور عمر الرزاز نظرا لنظافة الرجل ونزاهته ، ولكنّه في الوقت ذاته يرغب برؤية حكومة لا تضمّ وزراء موظفين وحسب ، فقائد البلاد بحاجة لوزراء بحجم القادة السياسيين القادرين على التحمّل والإحتمال ، لا يريد لرئيس الوزراء أن يكون كبيرا للموظّفين ، ولا يريد للوزير مثل ذلك دون ممارسة دوره السياسي المأمول ، سواء كان وزيرا للبيئة أو للزراعة أو حتى للتموين .
وفي مرحلة أخرى قادمة ، وليست ببعيدة ، فإنّ الرؤيا الملكية ستتجه نحو مسارات هامّة ، من خلال تغييرات واسعة تطال العديد من رؤساء الأجهزة المختلفة ، وبما يتماشى مع المرحلة القادمة الحبلى بالمفاجآت ، ونعتقد بأنّ الملك بات اليوم على قناعة بأنّ المرحلة الحالية تحتاج لشخصيات على قدر عال من تحمّل المسؤولية والمقدرة على الإنجاز ، ومواجهة المستقبل بكلّ ما يحمله ، وهذا من شأنه أن يجعل الدكتور الرزاز يفكّر مليّا ويعدّ للمليون قبل إجراء التعديل القادم ، فلا مجال للترضية أو العلاقات العامة أو التنفيعات ، فنحن في انتظار مواجهة أو مواجهات من نوع آخر لم نعهدها من قبل .