الحق وعندما يکون متعارضا مع البعض و مخالفا لأهوائهم و طموحاتهم، فإن تقبله يکون صعبا خصوصا إذا لم يکن هناك مايدفعهم لذلك، وهناك من يتهرب منه أو يغض الطرف عنه بل وهناك حتى من يسعى لقلبه و تزييفه و تحريفه، لکن المشکلة التي ستبقى تواجه هؤلاء هي إن الحق سيبقى حقا ولايمکن أبدا قلبه باطلا!
الانتفاضة الشعبية التي إندلعت بوجه نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية في الايام الاخيرة من شهر ديسمبر الماضي، والتي کانت رسالة من الشعب الايراني للعالم أجمع بشأن موقفه الرافض لهذا النظام و الذي عم أکثر من 130 مدينة في سائر أرجاء إيران، هذه الانتفاضة التي صدق و آمن بها المجتمع الدولي، فإن القادة و المسؤولين الايرانيين يصرحون بأنها مؤامرة ضدهم و إنها فتنة يجب القضاء عليها.
إنتفاضة عندما تمتد الى أکثر من 130 مدينة، ويهتف خلالها المنتفضون بالموت للمرشد الاعلى و النظام کله و يطالبون بالخبز و العمل و الحرية، هي الحق بعينه ذلك إن شعبا يمتلك ثروات و إمکانيات هائلة و لايجد مايسد به أوده و يعاني من مشاکل و أزمات لاحدود لها، فإن من حقه أن يطالب بتغيير النظام الذي فشل في إدارة أموره طوال 38 عاما، وإن مطالبته بالخبز و العمل و الحرية هي من صميم المطالب الانسانية الحقة التي لايوجد إطلاقا من ينکرها.
إعتراف القادة و المسؤولين الايرانيين وفي مقدمتهم المرشد الاعلى خامنئي بأن منظمة مجاهدي خلق هي من خططت و قادت الانتفاضة ضدهم، فإن ذلك لايسلبها حقانيتها أبدا، خصوصا وإن هذه المنظمة سبق لها وأن ساهمت بقوة في إسقاط النظام السابق، کما إن الشعب من حقه أيضا أن يختار من يؤمن و يثق بقيادته خصوصا فيما لو کانت تجربة سابقة معه في مجال مواجهة الديکتاتورية و إسقاتها.
مايجري بعد إنتفاضة أواخر شهر ديسمبر الماضي ولحد يومنا هذا، سواءا في داخل إيران أم على صعيد المنطقة و العالم، يؤکد حقيقة کونها تعبر عن إرادة الشعب الايراني و تجسد موقفه و طموحاته، وإن المساعي و المحاولات المحمومة و المتواصلة من جانب القادة و المسؤولين الايرانيين من أجل إظهارها عکس ذلك، إنما هو بمثابة وهم کبير يعيشه هؤلاء و يعتقدون بإمکانية إندحار الحق و عکسه باطلا، ولعل هروب رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام من مشفاه بألمانيا وعودته المسرعة لإيران، على أثر المساع القضائية التي بذلتها منظمة مجاهدي خلق من أجل إلقاء القبض عليه بسبب الجرائم التي إرتکبها بحق الشعب الايراني و کذلك إدراج رئيس السلطة القضائية الايرانية ضمن قائمة العقوبات الامريکية المفروضة على النظام، تأکيد على حقانية و عدالة الانتفاضة.