في عام 1983 م كنت محررا بمجلة راس الخيمة بدولة الامارات العربية المتحدة ، وهي مجلة حكومية تتبع دائرة الاعلام والسياحة في الإمارة ، وقد إستحدثتُ فيها بابا بعنوان ( رجال وتاريخ ) أستضيفُ بكل عدد من المجلة شخصية إماراتية بارزة ، لها دور فاعل في شأن من الشؤون السياسية أو الإجتماعية أو الثقافية في البلاد ، حتى صار كلّ شخص يتمنى أن يكون ضيف الحلقة القادمة بعد أن لقيتْ هذه الزاوية رواجا واسعا بين القراء ، وبعد صدور كل عدد كنتُ أحدّد الشخصية التي سأستضيفها في العدد القادم ، فاتصلتُ بالمرحوم سلطان الشامسي الملقب بسلطان الشاعر ليكون ضيف الحلقة المقبلة ، فأبدى ترحيبا حارا وتحدّد موعد اللقاء بيننا في بيته الكائن بإمارة عجمان .
كان هذا الشخص يعرفه الناس بإسم أشحفان وهو لقب لازمه طوال حياته نسبة لمسلسله الخليجي الشهير الذي يحمل نفس الإسم ، حيث يُعدّ سلطان الشاعر من مؤسسي الدراما التلفزيونية الاماراتية وأبرز رموز الدولة الفنية والإبداعية ولديه طاقة وقدرة عالية في الأداء والتمثيل ، وهو أيضا شاعر وكاتب وله الكثير من القصائد والمسرحيات والأعمال التلفزيونية ، كما عُرف بإسلوبه الساخر المعتمد على الفكاهيات وإدارة الحوارات على لسان الحيوانات ، بقي إسمه ولا زال راسخا في ذاكرة الإماراتيين حتى فارق الحياة سنة 2009 بعد أن أفقده حادث مروري بصره عام 1980 ، من أعماله الفنية نوادر جحا وطريق الندم والأول تحوّل والعقل زين وقصيدة القطوة وغيرها من القصائد الممتعة التي جمعها في ديوانين من الشعر .
وحسْب الموعد المتفق بيننا زرتُ الشاعر في قصره اللافت بعجمان واستقبلني أحسن إستقبال ، وأسمعني في مجلسه العديد من قصائده الممتعة بينها واحدة كان قد نظمها للتوّ مادحا رئيس الدولة المرحوم الشيخ زايد بن سلطان ، ولم تُنشر بعد لأنه سيلقيها بعد ثلاثة أيام في حضرة الحاكم في ديوانه بأبو ظبي وأعطاني نسخة من القصيدة لأنشرها بعد إسبوع ، ولم أكن أعلم بعد مغادرتي بيت الشاعر بأن موعده مع رئيس الدولة قد تأجل لإسبوعين ، فنشرتُ القصيدة وذكرتُ في مقدمتها بأن هذه القصيدة ألقاها الشاعر في حضرة صاحب السمو الشيخ زايد ، فاحتجّ الديوان الاميري على ما كتبت في مقدمة القصيدة نافيا لقاء الشاعر سلطان بالشيخ زايد ، كما غضب الشاعر نفسه غضبا شديدا بعد أن تحطمت آماله وأمانيه بسبب نشر القصيدة قبل لقائه الشيخ زايد ، حيث أن أحلامه كانت مبنية على المكافأة التي سيمنحها له رئيس الدولة ثمنا لقصيدته ، إذ لم يعد بعد نشرها في الصحافة لزوم لمقابلة الشاعر للشيخ زايد ، فاشتكاني سلطان لمكتب رئيس الدولة مدّعيا أنه بنشري لقصيدته حرمته من مقابلة الحاكم وحصوله على المكافأة ، فوصل إحتجاجه وتذمّره الشديدين الى الشيخ زايد رحمه الله الذي أمر باستدعاء الشاعر ليسمع القصيدة من لسانه ، وحينما سمعها الشيخ زايد أمر بصرف مكافأة للشاعر غطّت تكاليف بناء قصره الفاخر في إمارة عجمان .
كان الموضوع في باديء الأمر مزعجا لي الى حد كبير سواء من الديوان الأميري بأبوظبي أو من جهة ضيف الحلقة ، وعلى الرغم أن ما حصل معي لم يشكّل أية خطورة على عملي ، إلا أنه أدبيا كان أحرى بي أن أتصل بالشاعر سلطان قبل نشر القصيدة للتأكد ما إذا كان قد قرأها أمام رئيس الدولة أو عكس ذلك ، فكانت تلك المغامرة هفوة غير مقصودة من جهتي ، إلا أنها غلطة ثقيلة أوقعتني في حرج شديد مع مكتب رئيس الدولة ومع سلطان الشاعر نفسه وأعطتني درسا لن أنساه في حياتي .