كل من الفارسين كان قصة تحد, ومثل مخزنا للأسرار, وروى قصة من قصص الإصرار. الأول لم يحتمل قساوة الدنيا فتوجه إلى العليا, وتطلع إلى السماء , ومد يده إلى أبوابها ففتحت أبوابها , وحلق بروحه ومضى مبكرا إلى عالم الشهداء. والثاني كلما عاندته الدنيا زادته عنادا, وكلما أقفلت بوجهه بابا فتح الله عليه أبوابا , وكلما قست, كلما أعد ذلك احتسابا .
فارس عودة, طفل أدرك معنى الرجولة مبكرا, قهر الخوف وكان في المقدمة , عرف قيمة الوطن فارخص الروح . وبصدرة العاري إلا من الإرادة والحجر, قاوم الاحتلال فاستحق رتبة جنرال .
في انتفاضة الأقصى انتفض فارس فكان فارسا, حين ارتقت روح ابن خالته للعلا انتفضت روحه, وكادت تفر من بين جنبيه وتحلق في السماء. قالت له الروح إن ما في السماء أجمل مما على الأرض, فحملق , ثم حلق في السماء, وأصر على أن يمضى مع قوافل الشهداء .
قصر المسافة بينه وبين الاحتلال حين أصر على الانتقال إلى مدرسة على خط التماس .نصف النهار في الدوام ونصفه على معبر المنطار, بيده الغضة يقبض على الحجر ويقارع الاحتلال. هكذا شاءت الأقدار, رحل فارس وتجذرت في الأرض عظامه كما الأشجار, رحل فارس وترك لإخوته وردة ودفترا وكتابا وقلما من الرصاص . رحل وبقي أخوه يردد أغنيته المفضلة \" لو كسروا عظامي مش خايف لو هدوا بيتي مش خايف .\"
أما هذه المزرعة فليست على الأرض, فكما حلق فارس عودة في السماء, حلق فارس عواد على سطح منزله, فما تشتهيه الأنفس من جمال ومن شتى أنواع الورود والأزهار والخضار, تجده هنا على سطح منزل فارس عواد.
فارس عواد سطر أيضا قصة نجاح, عارك الفقر والمرض ومضى عكس الرياح, ارتبط مبكرا بابنة عمه نجاح, لكنها أصيبت بمرض عضال, في سن مبكرة غيبها السرطان, أما فارس فنهض من قسوة القدر, وامتطى صهوة الحياة, وراح يبحث عن بارقة أمل, فارتبط من جديد وتجدد الأمل. لكن مخالب القدر كانت تنظر, فأعياه السرطان فسلم أمرة لمن قال في كتابه \" وإذا مرضت فهو يشفين.\" سلم أمره لمن يحيي العظام وهي رميم. فنفض غبار اليأس وانطلق متفائلا...فتداوى... فتعافى... فاحترف التجارة... فنجح. لكن حب الأرض وتراب الأرض والشجر يسري في العروق, فكان سطح المنزل هو الهدف, فزرع وأروى, وأنبت بإرادة وعزيمة خضارا وفاكهة وأزهارا. وبات سطح منزله كتابا في الإرادة والتصميم ومحجا للزائرين, وسطر من جديد سفرا من أسفار النجاح والأمل.