دأب جنود الاحتلال المدججين بالسلاح على قتل الاطفال الفلسطينيين واعتقالهم، وعندما نقول الأطفال نعي ونعني ما نقول، فالذين نعنيهم أولئك الذين لم تتجاوز أعمارهم الخمسة عشر عاما، أي أنهم دون السن القانوني، ونعلم أن السن القانوني في معظم الدول هو ثمانية عشر عاما وما دون ذلك يعتبر حدثا. وما بثته وكالات الأنباء والفضائيات من قتل الأطفال بدم بارد واعتقالهم لهو شاهد على قسوة جنود الاحتلال وعدم اعترافهم بقوانين الحرب والاحتلال. فقد استشهد كل من أحمد غزال ومراد أبو غازي ويوسف أبو عاذره وقصي كتوع وجميعهم دون الثامنة عشرة . ومحمد الدرة ومحمد أبو خضير وفارس عودة وأطفال آل بكر الأربعة وجميعهم دون الثانية عشرة , إضافة إلى ذلك علي دوابشة وايمان مصطفى وقد استشهدوا وهم في مرحلة الرضاعة.
لا بد من وجود دوافع غير مشروعة لدى جنود الاحتلال لقتل هؤلاء الأطفال أو اعتقالهم في هذه السن، حيث هم في عرف الشرائع العسكرية دون السن التي تجيز اعتقالهم أو قتلهم, وخاصة أنهم بلباس مدني، فهم لم يدركوا بعد قواعد الحرب وأصول التعامل مع العدو خلال المعارك.
دعونا ندخل في صلب الموضوع ونحدد الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه الجرائم المخالفة لكل القوانين السماوية والوضعية.
السبب الأول والأهم هو الخوف من الطرف الآخر، فالتوسع المستمر والظلم وعقلية الاستيطان والاستعلاء وادراك هؤلاء الجنود أن ممارساتهم تجاه الفلسطينيين كلها عدائية, والمعتدي والمستعمر يعيش بالتأكيد حالة من الخوف لأنه ليس على حق . ويأتي الشعور بالخوف أيضا كنتيجة لفهم هؤلاء الجنود للطرف الآخر، فهم يدركون تماما أن الشعب الفلسطيني بمن فيهم الأطفال، يمتازون بالشجاعة ورباطة الجأش وأنهم بغض النظر عن السن مستعدون للتضحية والاستشهاد. ومما يعزز عقدة الخوف لدى هؤلاء الجنود أيضا ،افتراضهم أن كل فلسطيني مسلح وأنه قادر على النيل منهم وطعنهم. أضف إلى ذلك أن مصدر ذلك يتولد لديهم نتيجة التجارب ،فقد جربوا التعامل مع حالات عديدة من الأطفال، فوجودهم مسلحين بالإرادة والعزيمة والأيمان بالهدف.
أما السبب الثاني لهذا السلوك. فهو الرغبة بنقل عقدة الخوف إلى الطرف الآخر في محاولة منهم لزرع صور القتل والإرهاب في نفوس الأطفال الآخرين الذين سيروا هذه المشاهد في محاولة منهم للتأثير على الأجيال القادمة سعيا لغرس بذور اليأس فيهم ،وإرسال رسائل للفلسطينيين أن مصير أبنائكم سيكون هكذا حتى لو كانوا أطفالا.
اما السبب الثالث، فهو إرسال رسائل تطمين لأسرهم ومجتمعهم مفادها أننا نحميكم حتى من الأطفال ومن الأجيال القادمة، فعيشوا بطمأنينة ولا تقلقوا من قادم الأيام.
أضف إلى ذلك الحقد وتربية الكراهية للآخر الذي يمتاز به جنود الاحتلال ، فهم يعيشون ضمن أسر ويدرسون في معاهد تغرس فيهم كره العرب، فيعتبرون أن كل من هو على الجهة الأخرى ، بغض النظر عن السن أو النوع الاجتماعي هو عدو، يجوز لهم معاقبته وقتله لتحقيق أهدافهم.
أما السبب الأخير فيعود للوضع الدولي العام , فعجز النظام الدولي العام عن إيقافهم ومحاكمتهم على هذه الجرائم يشجعهم على التمادي بالقتل والتنكيل , فلا الدول مجتمعة ولا أية دولة منفردة تسطيع اتخاذ أي اجراءات قانونية بحقهم . أضف إلى ذلك, وجود بيئة خصبة للتمادي في التهديد والاعتقال والقتل, فلديهم حصانة تمنع محاكمتهم وتمنحهم غطاء رسميا بعدم محاكمتهم, وسهولة حصولهم على تقرير طبي يشير أن القاتل لم يكن بحالة نفسية تسمح له بالتفكير.