بعد سبعة وأربعين عاما على نشوء حركة الاخوان المسلمين في الاردن ، برز الذراع السياسي لهم المتمثل بحزب جبهة العمل الاسلامي الذي انبثق عنه تيارا الحمائم والصقور ، وقد نهج جناح الصقور منذ عام 1992 الى استغلال الدين لاغراض سياسية معادية للدولة ، فاستمر اعضاؤه يمارسون نشاطهم على الساحة الاردنية بشكل استفزازي ومتصاعد حتى قامت الدولة بحل الجماعة والترخيص لجمعية الاخوان بديلا عنهم ، وقد عايشنا على مدى عدة سنوات الفوضى التي مرّت بها البلاد في عهد الجماعة من خلال ممارساتهم في ايقاع الفتنة بين الدولة والشعب وتحريض الناس على المواجهة مع السلطة ورجال الأمن وتشجيع المواطنين على اقامة المسيرات وتنفيذ الاعتصامات بالأماكن الحساسة المعيقة للحركة بحجة المناداة بالاصلاح ، وقد سعوا من خلال هذه الأعمال الى شلّ حركة البلاد وزعزعة الأمن والاستقرار ، حتى صاروا يستغلون أيّ اعتصام ليكيلوا التهم ويطلقون الشتائم ضد الدولة الاردنية معتبرين أنهم أي الجماعة تخوض حاليا معركة تحرير القدس والأقصى انطلاقا من مقاهي عمان وساحة المسجد الحسيني ودواري الداخلية والرابع .
أما موضوع هذه الحلقة من مغامرات صحفي فهي مرتبطة باحتفال جماهيري حاشد نظمته جبهة العمل الاسلامي قبل عدة سنوات في أحد أحياء العاصمة عمان بمناسبة يوم الأرض الذي يصادف 31 آذار من كل عام ، حيث ذهبتُ الى موقع الفعالية التي بدأتْ بعد الغروب في ملعب رياضي واسع يكتظ بالجماهير المحتشدة فكانت حناجر المحتفلين مبحوحة من الهتاف والصراخ ، بينما كان الخطيب يحرّض ويطالب بأعلى صوته بالاصلاح السياسي والاجتماعي في الأردن ويحثّ على إقامة المسيرات وتنفيذ الاعتصامات ويؤكد أن الحراك سيبقى مستمرا حتى اجتثاث الفساد من البلاد مطالبا باجراء تعديل على الدستور ، ودعا في ختام المهرجان الخطابي جماهير الأمة العربية الى الانتفاض على قادتها مهما كلّف الأمر من ضحايا وتضحيات .
إنتظرتُ الخطيب وهو من زعماء تيار الصقور حتى أنهى خطبته العصماء ، فنزل عن المنبر كالقائد المنتصر وأخذ موقعه المتوسط في الصف الأمامي بينما كان وجهه متوهجا وجسمه يتصبّبُ عرقا ، فجئتُ اليه وطلبتُ منه بعد أن عرّفتُ على نفسي إجراء مقابلة تلفزيونية عن هذه المناسبة ، وأخذته بعيدا عن ضجيج السمّاعات وصخب الفرق الانشادية التي جاء دورها بعد الخطب السياسية ، وبعد أن اخترنا مكانا هادئا للتسجيل سألته في البداية عن فحوى خطبته فأعاد لي ما صدح به أمام الجماهير على المنصّة ، مكرّرا إلإساءة للأنظمة العربية وقادتها حتى فرّغ كلّ ما في جعبته معتقدا أن كلّ ما قال سيذاع على التلفاز ، ثم انتقلت بالسؤال عن دور الجيش الأردني في الحروب العربية الاسرائيلية وشهدائه الأبطال على أسوار القدس ، فقدّم إشادة رائعة بجيشنا الباسل كما ترحّم على شهدائنا الذين رووا بدمائهم ثرى فلسطين ، ثمّ سألته عن دعم الأردن للأشقاء في غزه والضفة الغربية وعن الدور الهاشمي في رعاية المقدسات الدينية والدفاع عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية فأسهب في الإشادة وهو على مضض ، وبعد أن انتزعتُ منه ما أريد شكرته وغادرتُ موقع الاحتفال حالا ، وفي طريق العودة الى التلفزيون اتصلتُ مع المدير العام وأخبرته عن فحوى المقابلة ، فتفاجأ وطلب مني الإسراع بالعودة للتلفزيون لإذاعة ( الجزء المعني بالأردن ) ليتصدّر نشرة أخبار الثامنة ، فكانت تلك المقابلة صفقة سياسية كبيرة ومغامرة صحفية جريئة ، وفي اليوم التالي استجوبتْ جبهة العمل عضوها القيادي لمحاكمته على ما صرّح به لنشرة الأخبار ، فدافع قائلا : لقد سألني المندوب عدة أسئلة في المقابلة فأخذ الجزء الأخير ولم يُذع الجزء الأول منها ، ومن ذلك اليوم بقيتْ علاقتي مع الشيخ المجاهد متأثرة حتى الوقت الحاضر .