أشرت في الحلقة الخامسة من سلسلة مغامرات صحفي أنه تمّ تكليفي عام 2004 بتغطية الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي شهدت مواجهات دامية بين الجيش الاسرائيلي والشبان الفلسطينيين في معظم مدن ومناطق الضفة الغربية ، وذكرت أني كنت خلال مهمتي في الأراضي الفلسطينية أتنقل بسيارات الأجرة للوصول الى مواقع المواجهات لاعداد تقارير اخبارية متلفزة بالجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الاسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل .
وخلال فترة عملي في الضفة الغربية التي استمرت شهرين كانت التغطيات الاخبارية الفاضحة لتلك الجرائم مستمرة على مدار الساعة ، وقد اعتبر الجانب الاسرائيلي عملي على هذا النحو تحريضا لشباب الانتفاضة وحثهم على الصمود والتحدي ومقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة ، وفي أحد الأيام وبعد انتهائي من اعداد التقرير وحقنه الى عمان ، فضّلت العودة من مركز البث الى السكن برام الله سيرا على الأقدام عبر طريق لا يستخدمها الجيش الاسرائيلي ، وخلال المسير تلقيت اتصالا من رقم غريب وبلكنة غير عربية من شخص يسألني عن فحوى تقرير اليوم ان كان على نفس الوتيرة والحدّة التي سلكت عليها خلال الايام السابقة ، فسألته عن شخصيته فقال انه فلان من الكنيست الاسرائيلي وعندما طلبت منه توضيح مقصده من السؤال ، قال لي بالحرف الواحد الى متى ستبقى يا محمد على هذا النهج المشحون بالعداء والكراهية لدولة اسرائيل ، ننصحك بتغيير اسلوبك والّا ستلقى ما لا يسرّك ، فقلت له اني أقوم بواجبي بما يمليه عليّ ضميري ولن أحيد عنه ولا أسمح لك بتهديدي ، فتمتم بالعبرية بكلمات لا أفهمها ثم أقفل الخط ، وبعدها لاحظت أني صرت مراقبا حيث لم تكفّ الدوريات الاسرائيلية عن متابعتي وتضييق الخناق على حركتي داخل مسرح العمليات ، وفي اليوم التالي اتصل بي أحد المسئولين من عمان طالبا منّي التهدئة ونصحني بتغيير نهجي باعداد وقراءة التقارير الحماسية من غير أن يكشف التفاصيل ، وقال لي صحفي فلسطيني وهو مراسل لاحدى الفضائيات العربية ترى اليهود بصراحة مستائين من اسلوبك العنيف ، فصار عندي احساس وشعور بالخطر من الجانب الاسرائيلي ، فآثرت حفاظا على حياتي أن أنقل الوقائع بشكل هاديء وبنبرة عادية ، الّا أن الاسرائيليين لم يعجبهم أصلا وجودي في الضفة الغربية واكتشفت ذلك أثناء مراجعتي لوزارة الاعلام الاسرائيلية بالقدس لتجديد البطاقة الصحفية .
الحقيقة وكما أشرت من قبل أنه لم يمر عليّ يوم طيلة الشهرين من غير متابعة وتغطية على نشرات الأخبار اليومية لسلسلة الجرائم والانتهاكات التي اقترفها الجيش الاسرائيلي خلال الانتفاضة الثانية وما صاحبها من اجراءات انتقامية ضد السكان ، ومع كل هذه الظروف فقد واجهت خلال مهمتي في فلسطين معاناة قاسية محفوفة بالعديد من المخاطر التي يحتاج سردها حلقات عديدة ، ولأجل ذلك دعاني الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الى مكتبه عندما عرف بانتهاء مهمتي واستعدادي للعودة الى عمان ، واستقبلني بحرارة وقدّم لي الشكر على جهودي الاعلامية في الأراضي الفلسطينية ثم سألني بعد التقاط الصور التذكارية عن مدى رغبتي بالاستمرار في رام الله ، مبديا استعداده بطلبي رسميا من أعلى المستويات الاردنية ، فاعتذرت له بسبب ارتباطي بالمسئولية العائلية ، اضافة الى وجود طاقم جديد من الزملاء وصلوا قبل يومين قادمين من عمان لاستلام المهمّة في رام الله ، وعندما غادرت الضفة الغربية باتجاه عمان كان أفراد الأمن الاسرائيلي عند جسر الملك حسين يتهامسون لتعطيل مغادرتي لولا الكتاب الرسمي الذي كنت أحمله والذي يدعو السلطات الأمنية الاسرائيلية لتسهيل مهمة سفري بين الاردن واسرائيل .