ذكرت في الحلقة السادسة أنه في خريف عام 1981 تم حجزي واستجوابي عند الحدود السورية لمدة ست ساعات ، لسؤالي عن موظف في الاذاعة الأردنية يدعى محمد وشاح كان قد أساء للنظام السوري في تعليق سياسي أذاعه عام 1980 بعد تردّي العلاقات بين البلدين ، وقد نجّاني من ذاك الموقف العصيب مهنتي المسجلة بجواز السفر طالبا وليس موظفا في الاذاعة ، وأشرت في تلك الحلقة أن سفري الى سوريا كان مخاطرة غير محسوبة النتائج ، وكان يفترض بي ألّا أكرر الزيارة الى هذه الدولة طيلة حياتي .
لكن في عام 1986 افتتحت شركة مصر للطيران مكتبا جديدا لها في دولة الامارات ، ونشرت تقريرا صحفيا موسّعا عن خدمات هذه الشركة والتسهيلات التي تقدمها للمسافرين ، وقد حظي التقرير باعجاب مسئولي الشركة الذين اعتبروا الموضوع بمثابة اعلان مجّاني للخطوط الجوية المصرية ، وقدموا لي كمكافأة تذكرة سفر ذهابا وايابا مع اقامة مجانية في القاهرة لمدة اسبوع ، وفي اليوم الرابع من الرحلة الى مصر كنت في جولة سياحية للاسكندرية فمررت خلالها على مكاتب الشركة لأؤكد حجز العودة الى دبي عن طريق عمان ، فأبلغني موظف المبيعات بأن حجزي الى عمان – دبي ملغي لأن الأولوية في السفر للركاب الدافعين لقيمة التذاكر ، وبعد نقاش طويل أكّد أنه ليس من حل أمامي للسفر الى عمان سوى ركوب الباخرة من الاسكندرية الى اللاذقية في سوريا ، فقبلت بهذا الخيار الصعب لضعف خبرتي بنفوس الناس ، حيث عرفت فيما بعد أن عشرة جنيهات كرشوة لذلك الموظف توضع داخل الجواز كفيلة بسفري على الطائرة بشكل طبيعي واختصار هذا المشوار البحري الشّاق ، فحجزت بالباخرة في اليوم التالي حيث استمرت الرحلة البحرية يومين متتالين تعرضت خلالها لعارض صحي ناتج عن دوّار البحر الذي يصيب معظم المسافرين ، فوصلت ميناء اللاذقية وكنت منهكا من التعب ، وعند التدقيق على الجوازات حوّلني الشرطي الى الضابط المسئول الذي عاد ليسألني عن المذيع محمد وشاح فقلت له هو أحد أقربائي ولا أراه الا في المناسبات ، وأبديت تجاهلي للموضوع وسألت الضابط عن سبب السؤال عن هذا الشخص ، فقال هو مجرد صديق ثمّ سألني عن عملي فأبرزت له بطاقتي الصحفية الصادرة من الامارات والتي أنقذتني من هذا المأزق الصعب ولولاها لكنت في خبر كان ، وبعدها طلب مني الضابط فتح الحقيبة للتفتيش حيث أمعن بها جيدا ثمّ سألني عن كروز دخان أجنبي كان بداخلها واعتبره من الممنوعات في سوريا ، فأهديته علبتين وودّعني بعدها الى البوابة الخارجية لمبنى الجوازات ، توجهت بالسيارة من اللاذقية الى دمشق وكنت مجهدا للغاية فنمت ليلة في فندق متواضع ، وفي صبيحة اليوم التالي غادرت دمشق الى عمان وعند نقطة حدود درعا أحالني الشرطي مدقق الجوازات الى ضابط التحقيق الذي أعاد نفس الأسئلة حول المذيع المطلوب ، فأجبته بنفس الافادات السابقة وقلت له أنتم تسألوني نفس الأسئلة كلما أزور سوريا فأبدى أسفه وقال نسألك عن المذيع محمد وشاح الذي لا تربطك به علاقة مباشرة كما تقول ، لكن حبّذا عند عودتك الى سوريا في الزيارة القادمة أن تفيدنا ببعض المعلومات عنه ، ثم أعطاني جواز السفر فغادرت درعا عابرا حدود الرمثا لأتنفس الصعداء ، وحينها بدأت ألوم نفسي على هذه المغامرة الخطيرة الناتجة عن الجهل بنفوس الناس ، فلو أعطيت موظف الحجوزات المصري عشرة جنيهات لما حصلت معي هذه القصة المريرة ، وهنا تذكرت الحديث الشريف ( لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين ) لكنّي أعترف أن كل ما حصل معي هو التغفل وتكرار الخطأ وعدم التيقظ واستعمال الفطنة ، حيث أقحمت نفسي بذات الجحر لعدة مرات ولم أتّعظ من كل هذه المواقف التي كادت أن تشكّل خطرا كبيرا على حياتي ، لكنها عناية الله أحمده وأستعينه .