يعود الوجود الشيعي في الإمارات إلى منتصف القرن التاسع عشر ، وقد تزايدت أعدادهم في الدولة حتى بلغوا حاليا نحو ستمئة ألف نسمة غالبيتهم من شيعة ايران ، وهم يشكلون قوة اقتصادية مؤثرة في البلاد ولهم نفوذهم التجاري الواسع .
وعلى الرغم من قيام دولة الامارات بصرف جنسيتها لعدد كبير من الشيعة الايرانيين الى جانب منحهم كافة المزايا التي يتمتع بها المواطنون الأصليون ، الّا أن ميولهم تبقى مشدودة لأصولهم الفارسية بخلاف الشيعة العرب ، وقد أقيمت لهم في مختلف الامارات مساجد وحسينيات يمارسون فيها صلواتهم وطقوسهم الدينية الخاصة بهم .
وأثناء وجودي بدولة الامارات لفت انتباهي خلال يومي التاسع والعاشر من شهر محّرم من كل عام توقف الحياة العامة واغلاق المحال التجارية في الأسواق ، وعرفت أن ذلك بسبب حلول ذكرى عاشوراء ، فخطر ببالي اعداد تقرير صحفي عمّا يجري في هذه المناسبة ، فتسللت يوم العاشر من محّرم بعد صلاة العشاء الى احدى الحسينيات القريبة من سكني ومعي كيس بداخله كاميرا فوتوغرافية ، دخلت القاعة بهدوء وأخذت مكاني في الصف الخلفي ليكون الجميع على مرأى مني ، فوجدت الناس محتشدين رجالا ونساء يفصلهم ساتر خشبي ، وجميعهم كانوا ينصتون لمنشد يلقي بصوت جهوري رثاء حزينا لآل البيت مصحوبا ببكاء ونحيب الموجودين ، وهنا بدأت بتقليدهم بكل الحركات حتى لا ينكشف أمري ، رأيتهم يلطمون بأياديهم على صدورهم بضربات خفيفة ، ويظهرون بعويلهم الندم وطلب المغفرة بحجة تقاعسهم عن نصرة الامام الحسين في موقعة كربلاء ، ثم تطور الحال بهم فبدأوا بضرب القامات وشق الصدور والنحيب بصوت عال ، وكل ذلك بداعي التقرب الى الله ونيل الجنة حسب ما يعتقدون .
كنت أتظاهر بالبكاء معهم واللطم بخفّة على صدري ، بينما خلع غالبيتهم الملابس باستثناء ( السروال ) ليبدأ كل واحد منهم بلطم ظهر الشخص الجالس أمامه ، كنت مطمئنا من وضعي لكنّي متوجس وحذر ، الّا أن شيعيا جالسا أمامي كان يلحّ عليّ أن أثقل اللطم على ظهره ففعلت ما يريد ، ثم انتقل الجميع قبيل منتصف الليل الى مرحلة أخرى أشدّ ايلاما من قبل ، وذلك باستعمال سلاسل تنتهي كل واحدة منها بقطعة كروية ثقيلة زرعت فيها دبابيس يسهل غرزها في الظهر ، وفي هذه اللحظة بدأت تظهر الجروح على ظهورهم وهي تسيل منها الدماء بغزارة .
وأثناء هذا الوضع المريب أمسكت الكاميرا وقمت بالتقاط صور لبعض المشاهد الدموية المثيرة ، فبدا المنشد منزعجا من لمعة اضاءة الكاميرا بوجهه ، فتوقف عن القراءة والتفت نحوي ثم أشار لي بيده بالخروج من الحسينية وهذا ما زاد من شكّ الآخرين بي ، فبدأت أشعر بالتوتر حين راح الجميع في القاعة يتابعوني بنظراتهم الحادة وهمساتهم الساخطة ، فأدركت خطورة الوضع باحتمالية ايذائي لو بقيت في الحسينية لدقائق قليلة ، فأخذت كاميرتي وانسحبت من القاعة لأسلم بنفسي قبل أن يصيبني ما لا يحمد عقباه ، وعندما أخبرت زملائي وأصدقائي حول ما جرى معي في تلك الليلة ، قالوا لي انك قمت بمغامرة لا يفعلها أحد بسبب الحساسية الشديدة مع هؤلاء الناس ، ونصحوني بعدم تكرارها في المناسبات القادمة بعد أن صرت معروفا لمعظم الشيعة هناك ، خاصة بعد نشري لتقرير صحفي موسّع عن طقوسهم الخرافية العجيبة في عاشوراء .