ترتبط دولتا الإمارات والكويت بعلاقات أخوية وثيقة تعود إلى عقود طويلة ، ولا زلت أذكر حينما وصلت ابو ظبي في منتصف السبعينات كانت توجد هناك بعثات اعلامية وطبية وتعليمية ومدارس ومستشفيات تعمل في كافة انحاء الدولة على نفقة الحكومة الكويتية وهي موجودة أصلا قبل حصول الامارات على الاستقلال ، وهناك حرص مستمر من قيادة الدولتين على تقوية أواصر هذه العلاقات وتعزيزها وتطويرها بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين .
في عام 1986 كنت أعمل في ثلاث صحف اماراتية ، يومية واسبوعية وشهرية ، أما الصحيفة المعنية بمغامرة هذه الحلقة فهي جريدة الاتحاد الظبيانية الرسمية ، وكان يرأس تحريرها وكيل وزارة الاعلام الدكتور عبدالله نويس الذي تربطني به علاقة عمل مبنية على الثقة والاحترام ، وظلت هذه الثقة مستمرة بيننا حتى وقع ما ليس بالحسبان ، فقد تناهى الى مسامعي في يوم من الأيام أن السلطات الاماراتية قررت منع دخول المسافرين القادمين من الكويت الى الامارات وذلك بعد تفشي وباء الكوليرا في الدولة الشقيقة ، فاعتبرت من جهتي هذا الخبر سبقا صحفيا وتوسعت بتفاصيله مع شرح خطورة هذا المرض المعدي الذي يؤدي في الغالب الى الوفاة خلال ساعات اذا لم يعالج بالسرعة الممكنة ، وأضفت في سياق الخبر أن هناك المزيد من الاجراءات الاماراتية المنتظرة بحق المسافرين القادمين مع التشديد كذلك على منع دخول أية مواد غذائية قادمة من الكويت يمكن أن تسبب خطورة على المجتمع الاماراتي ، وقمت بارسال الخبر الى الجريدة التي نشرته في اليوم التالي بالبنط الأحمر العريض على صفحتها الأولى ، وهنا بعد نشر الخبر تطورت الأمور حيث سارعت سفارة الكويت في ابو ظبي بابلاغ الخارجية الكويتية بالاجراء الاماراتي الذي سيؤثر حتما على علاقات الدولتين ، وجرت على اثر ذلك اتصالات رسمية عاجلة بين الديوانين الأميريين في عاصمتي البلدين ، وبدوره أوعز الديوان الأميري في أبو ظبي الى جريدة الاتحاد باتخاذ أشد العقوبات بحق محرر الخبر الذي أحدث شرخا في علاقات البلدين ، فاتصل بي رئيس التحرير هاتفيا وأخبرني بكل التطورات التي حدثت وأنا ( غايب طوشه ) وقال لي بالحرف الواحد ، اسمع يا محمد اذا كان مصدر خبرك صحيحا فسأحميك من المسئولية ولن يطالك أي سوء ، أما خلاف ذلك فسأضطر لتحويلك الى القضاء حسب التعليمات لتنال جزاءك علاوة على ترحيلك من البلاد وحرمانك من حقوقك ، فاستأذنته أن يبقى على الهاتف واتصلت على سمعه بادارة المطار وسألتهم عن صحة ما نشر اليوم في الصحيفة حول اجراءاتهم بحق القادمين من الكويت ، فجاءني الرد وأنا في غاية التوتر أن الجهات الصحية في المطارات المحلية تمنع المسافرين – غير المطعّمين - القادمين من الكويت من دخول الامارات حتى يتم الاعلان رسميا عن انتهاء وباء الكوليرا في الدولة الشقيقة ، وهنا تنفست الصعداء وبعدها طمأنني رئيس التحرير بعد استماعه للمكالمة بأنه سيقف بوجه أي اجراء ضدي ، وهذا موقف رجولي أثمنه للدكتور عبدالله نويس وهو الاعلامي الشهير بدولة الامارات وصاحب مقولة ( من يمتهن مهنة الاعلام يبقى فارسا الى أن يترجل ) .
لقد كان ذاك الخبر المشئوم درسا قاسيا لي كصحفي ، رسم لي خارطة طريق بعدم المساس في العمل بعلاقات الدول ، حيث كان يفترض ألا أنشر خبرا حساسا على هذا النحو الاّ بعد استشارة رئيس التحرير صاحب المسئولية الكاملة في الجريدة ، لكنّ مهنة الصحافة وكما أشرت سابقا تبقى مهنة البحث عن المتاعب ، فلو تمّ نفي ادارة المطار لخبري المنشور في الصحيفة لدفعت الثمن غاليا ، وقد يكلفني ذلك اقصائي عن المهنة بشكل نهائي ، لكنها كانت مغامرة غير محسوبة النتائج لصحفي باحث عن الشهرة ، ودائما أشكر الله تعالى الذي يلطف بحالي وينقذني من مواقف صعبة ويجنّبني كلّ سوء ويأخذ بيدي الى برّ الأمان والحمدلله رب العالمين .