قدر الأردن عبر تاريخه ومنذ عهد تاسيس الامارة على وجه الخصوص أنه حامل للهمّ العربي في كل الظروف والأحوال ، فاذا ما وقعت مشكلة أو كارثة في أي بلد عربي شقيق أو دولة صديقة تراه يهب ويسابق من أجل تقديم المساعدة وتضميد جراح المنكوبين في كل المناطق والبلدان والشواهد على ذلك كثيرة جدا ، ففي عام 2003 وتحديدا في شهر أيار من نفس العام وقع في ولاية بومرداس الجزائرية زلزال عنيف ومدمر بشدة 6.8 بقياس ريختر ، نتج عنه وفاة الفين و266 شخصا واصابة أكثر من عشرة الاف آخرين بالاضافة الى تضرر البنى التحتية في الولاية نفسها ، ويعد هذا الزلزال الذي بلغت خسائره حوالى خمسة مليارات دولار الأقوى من بعد زلزال مدينة الأصنام عام 1980 والذي تسبب بوفاة اكثر من خمسة الاف جزائري .
وبعد أقل من اسبوع على وقوع زلزال بومرداس رافقت حملة اغاثة سيّرها الأردن عبر جسر جوي الى الجزائر الشقيقة ، وقد جرى لوفدنا الاردني هناك استقبال رائع لحظة وصولنا الى مطار العاصمة حيث قابلنا المسئولين المعنيين الذين عبّروا عن شكرهم وتقديرهم للأردن على مواقفه القومية الصادقة ، وفي صبيحة اليوم التالي لوصولنا العاصمة قررت وزميلي المصور التوجه بسيارة المراسم الى المنطقة المنكوبة والتي تبعد نحو خمسين كيلومترا شمالي مدينة الجزائر ، وقد ذهلنا عند الاقتراب من ولاية بومرداس من هول الفاجعة حيث لا زال البحث جاريا عن ضحايا مفقودين تحت الركام ، مئات العائلات والأسر أصبحوا مشردين بلا مأوى بعد أن تهدمت بيوتهم التي يزيد عددها عن 1243 بناء ، وهناك أطفال كانوا خارج مساكنهم فقدوا آباءهم وأمهاتهم في لحظة الزلزال ، والعكس كذلك فقد كان أهالي أيضا يبحثون عن صغارهم وسط الدمار الرهيب ، كما شاهدنا خلال مسارنا مناطق أخرى ساوى الزلزال مبانيها بالارض وأذكر أنها تسمى زموري والثنية وقورصو ، وهنا طلبت من السائق المرافق التوجه الى زموري حيث التقطنا فيها المزيد من الصور التي تقشعر لها الأبدان وأجرينا فيها العديد من اللقاءات المتلفزة مع السكان ، ثم انتقلنا الى بلدة أخرى وهي ( الثنيه ) حيث هرع الينا عدد من أهاليها المنكوبين يحملون العصي والهروات وكانوا يصرخون بوجوهنا بصوت عال ونبرة حادة حيث اعتقدوا أننا من التلفزيون الجزائري ، وحينما عرفوا أننا ضيوف على بلادهم صاروا يوجهون اللوم والانتقاد لحكومتهم التي اعتبروها مقصرة بحقهم ، ثم ختمنا جولتنا في منطقة قورصو المؤلفة من عدة مجمعات سكنية وهي بالطبع مدمرة بكاملها بفعل الزلزال ، وهنا طلبت من زميلي أن يصور المباني المهدمة براحته فانصرف الى مهمته فيما استأذنت السائق الجزائري( بومحمدي ) أن يبقى بالسيارة لأتجول بنفسي بين البنايات المنهارة وأتبادل الحديث مع المواطنين الناجين ، فلم أبتعد عن السائق أكثر من خمسين مترا حتى تجمع حولي العشرات ممن تهدمت بيوتهم وبدأوا بالسب والشتائم على الحكومة ظنا منهم أني موظف جزائري ، ثم سحبني أحدهم من قميصي فيما هددني آخرون بالقتل وهنا أحسست أني وقعت بخطر فأومأت الى السائق من بعيد الذي قام بدوره بالاتصال برجال الشرطة الذين حضروا على الفور ، فخاطبوا المواطنين عبر مكبرات الصوت بأن يطلقوا سراحي لأني صحفي أردني ، وعندما أفرج عني المحتجزون عدت الى السيارة حيث لامني رجال الشرطة على هذه المغامرة التي وصفوها بالانتحارية ، موضحين لي أن المناطق المنكوبة تكثر فيها عادة العصابات الخارجة على القانون واللصوص وقطاع الطرق وأفراد المعارضة الذين يستغلون مثل هذه الظروف لتأليب الشعب ضد الدولة ، ثم عرفت فيما بعد ان رجال الشرطة كانوا يتابعون سيارتنا من بعيد ولأجل ذلك حضروا بسرعة فائقة وزمن قصير ، ثم انتظرنا الزميل المصور الذي كان أيضا على احساس بالخطر وعدنا سوية بحراسة الشرطة الى مقر اقامتنا في العاصمة بعد ان نصحونا بعدم تكرار هذه المغامرة الخطيرة ، ووجدنا في بهو الفندق السفير الاردني وأعضاء الوفد بانتظارنا على أحر من الجمر ، فأمضينا بعد ذلك يومين في الجزائر حتى عدنا الى أرض الوطن سالمين والحمدلله .