بعد أسر حزب الله اللبناني لجنديين اسرائيليين قام الجيش الاسرائيلي في الثاني عشر من شهر تموز 2006 بشن حرب ضارية على لبنان ، وقد أطلق حزب الله على تلك الحرب اسم الوعد الصادق في حين سمتها اسرائيل بالثواب العادل .. وبناء على البيانات التي سمعناها خلال مجريات الحرب حول الانتصارات الساحقة لكتائب حزب الله والتصريحات التي كان يطلقها الحزب بأنه سيدمر حيفا وسيمحو اسرائيل من الوجود ، ظن السامع أن من يذهب الى لبنان خلال الحرب لن يطأ الا على جثث اليهود المتناثرة من أقصى الجنوب الى العاصمة بيروت .
وحينما طلب مني التوجه الى لبنان لنقل صورة الوضع هناك ، سعدت كثيرا لأرى أشلاء الغزاة على الأرض اللبنانية ، وحال وصولي الى المطار توجهت حالا الى الضاحية الجنوبية حيث صعقت بعد الوصول من حجم الدمار فيها ، أحياء بكاملها تم تسويتها بالارض حتى بلغ عدد المنازل المهدمة 28 ألف منزل اضافة الى 14 ألف متصدعة وتدمير أكثر من ثلاثة آلاف محل تجاري عدا عن الجسور والمطارات والمرافيء والمعامل ومحطات الكهرباء والمدارس والشاحنات والسيارات المحروقة بالمئات ، ناهيك عن وضع أهالي الضاحية وما حولها الذين أصبحوا مشردين في الشوارع بلا مأوى .
وعلى عاتقي الشخصي ومن غير مرافق غامرت الركوب بالسيارة من بيروت باتجاه صيدا فرأيت في المدينة عشرات الآلاف من نازحي الجنوب ينامون في الطرقات ، ثم قررت التوجه جنوبا الى مدينة صور حيث شاهدت على الطريق المحفوفة بالمخاطر أرتال الحافلات المحروقة من قبل الطائرات الاسرائيلية المغيرة ، لكن وبحمد الله وارادته سلمت سيارتنا من القصف قبل وصولنا الى موقع الغارة بعد أن سلك سائقها باتجاه آخر ، وفي ذات المنطقة سمعت من القادمين من قرى الجنوب أن القوات الاسرائيلية عبرت نهر الليطاني بعد أن احتلت معظم قرى الجنوب اللبناني حتى أصبحت على بعد كيلومترات من المكان المتواجدين به ، في الوقت الذي كنت أسمع لنصرالله بالراديو بين صيدا وصور وهو يتحدث عن انتصارات متتالية في الحرب ، كما أعلن عن اطلاقه لأربعة آلاف صاروخ باتجاه اسرائيل لكنها حسب التقارير سقطت في أماكن غير آهلة من غير أن تحدث أضرارا ، وهنا وقفت لحظة تفكير مع نفسي حول ما يجري واستذكرت الاعلام العربي وهو يتغنى طوال فترة الحرب عن التقدم الباهر لحزب الله ، لأدرك وقتها أن الأمة العربية عاشت لمدة 34 يوما مسرحية هزلية ، فعدت بعد هذه المغامرة الخطيرة التي أقدمت عليها الى صيدا ومنها الى مقر اقامتي ببيروت لأتابع الوضع من هناك .
المهم ان الحرب انتهت بعد أن كلفت الدولة اللبنانية عشرات المليارات من الدولارات دون أن تحقق هدفا واحدا للبنان أو فلسطين ، وقد بلغ عدد الضحايا اللبنانيين أكثر من 2500 شخص وخمسة آلاف جريح علاوة على مئات الآلاف من النازحين باتجاه سوريا والشمال اللبناني في حين بلغت خسائر الجيش الاسرائيلي 144 صهيونيا وجرح 360 آخرين ،
وفي مقابلة مع التلفزيون اللبناني وصحيفة الحياة اللندنية بعد شهر على توقف الحرب قال الأمين العام للحزب ، لم نتوقع ولو واحدا في المائة أن تؤدي العملية الى حرب بهذه السعة وبهذا الحجم ولو علمنا أن عملية أسر الجنديين الاسرائيليين ستقود الى هذه النتيجة لما قمنا بها قطعا ، كما قالت ايران ان عناصر حزب الله حققوا نصرا الهيا حينما استطاعوا أن يفشلوا خطط الولايات المتحدة للسيطرة على الشرق الأوسط .. والغريب أني لا زلت أسمع التصريحات المتتابعة لحزب الله يتوعد فيها بتدمير اسرائيل وشطبها من الخريطة العربية علما أن نصر الله أعلن بعد شهر من انتهاء الحرب في مهرجان خطابي في بنت جبيل وأمام مئة الف من أنصاره أن حزبه لن يشارك بعد الآن في أي عمل عسكري ضد اسرائيل !!!