لا أعرف من أين أبدأ ...فبكل تواضع توقعت كل ما حصل نتيجة لقانون الانتخابات على قاعدة " القائمة النسبية المفتوحة على مستوى الدائرة الانتخابية " .
و هو في رأيي أسوأ الف مرة من قانون الصوت الواحد و القانون الآخر الذي اعتمد عددا من النواب يتم انتخابهم عن طريق قوائم على مستوى الوطن . و ما بينهما من قانون الدائرة " الوهمية", المرافق للصوت الواحد.
لا أظلم أحدا اذا ما قلت بأن الشخص أو الاشخاص الذين الغوا قانون الانتخاب الفردي الذي تم بموجبه انتخاب المجلس الحادي عشر في العام 1989 قد إرتكب / إرتكبوا جريمة تصل الى حد الخطيئة بحق الوطن على مدى 23+4 = 27 عاما ( 1993-2020 ) !!!!
قانون ال 89 افرز افضل مجلس نيابي في تاريخ الحياة التشريعية الاردنية عددا و نوعية . و هو القانون الذي اعتبره مثاليا للاردن حتى تتجذر الحياة الديموقراطية و هذا يحتاج ل 25 عاما قادمة بعد أن تأخذ الاحزاب السياسية مكانها الحقيقي لتصبح القائمة النسبية المغلقة الحزبية هي البديل للانتخاب الفردي و الذي يسبقه ترشيحا فرديا عادلا إما على مستوى المحافظة أو الدائرة الانتخابية بشرط اعادة النظر بثلاثة امور مهمة و اساسية :
الأولى : إعادة النظر بتوزيع الدوائر الانتخابية بحسب عدد السكان لتصبح عملية التمثيل الشعبي عادلة الى حدّ ما .
الثاني : إلغاء نظام الكوتات جميعها . فالمرأة تشكل اكثر من نصف المجتمع الاردني و تقبل على الانتخاب بشكل ملفت و عليها أن تتعلم انتخاب بنات جنسها اعتبارا من الانتخابات القادمة . و ليتعود المسلم أن ينتخب مسيحيا و العكس بالعكس و هذا ينطبق على الاخوة الشركس و الشيشان .
هذا المفهوم يكرس مفهومي الوحدة و الهوية الوطنيتين , و يقضي على الحساسيات المفرطة و نتائجها السيئة .
الثالث : المستوى التعليمي للمترشح او المترشحة يجب ان لا يقل عن الشهادة الجامعية الاولى من جامعات معتمدة اردنيا سواء أكان طبيبا أو يحمل شهاة في الفلسفة و علم النفس .و ضباطنا المتقاعدون بعد 4 سنوات سيكونون جميعهم من حملتها الا ما ندر و هؤلاء لا يلزمون لمجلس نواب جله من الشباب و الشابات و يكونوا قد تجاوزوا سن ال 75 عاما !!!!
و كل ما ذكرت سيحتم اعادة النظر بعدد النواب من دون كوتات لجهة مهما كانت و ليكن نصف مجلسنا القادم من السيدات المتعلمات المتحمسات للعمل العام و القادرات على انجاز ما هو مطلوب منهن بجدارة و كفاءة عالية – من دون صياح و عربدات و صوت عال –و بصراحة بدأ يزعجنا كمواطنين قبل ان يزعج الحكومة . و ليمثل المجلس القادم كافة الاردنيين من شتى الاصول و المنابت و ليصبح التصويت " إلزاميا لكل من هم ما بين العمرين( 18 – 65) عاما , و اختياريا لمن هم فوق ذلك و مثلهم الامييون و كبار السن و المرضى .
هذا بالاضافة للسماح بالاقتراع في اقرب مركز اقتراع لسكن المواطن مما سيوفر تنقل مئات الالاف بين المدن و ما يتبع ذلك من خسائر مالية و استهلاك للطاقة و مخاطر السير على الطرق الداخلية و الخارجية .
التمثيل الديموقراطي الصحيح و السليم هو تمثيل لكل من يحمل رقما وطنيا اردنيا من دون النظر الى اصله و فصله و دينه و " فصيلة دمه " و فحص" جيناته الوراثية " . فهذه قصة قديمة عفى عليها الزمن و ليتأكد الجميع أنه - بعد تحرير فلسطين من الماء الى الماء لن يبقى فلسطيني واحد خارجها - , و ليفهم هؤلاء الذين يغردون خارج السرب بأننا أضعنا فلسطين الى الأبد و لا عودة و لا تعويضا , كان الله تعالى في عونهم .
فلا يعقل ان لاجئا فلسطينيا او عربيا او من اي مكان في العالم حصل على الجنسية الامريكية او الكندية او الاسترالية او اي جنسية غربية اخرى يستطيع أن ينتخب فيها و لا يستطيع ذلك في الاردن او في اي بلد عربي آخر ...فهذا في رأيي ظلم و تخلف و تخوف في غير محله, و حجة حق يراد بها باطل , خاصة أنه منصوص دستوريا على أن جميع الاردنيين متساوون في الحقوق و الواجبات بغض النظر عن العرق أو الدين !!!
أعرف جيدا هنا بأن الكثيرين من المتعصبين لوطنهم سيغضبهم كلامي و سينعتوني بأقذع الأوصاف , و هذا أمر لا يهمني و لا ألتفت إليه لأنني على حق و هم على باطل ... فأنا عربي مسلم أردني و لا أمقت شيئا مثل التعصب و الاقليمية الضيقة على الرغم من اعتزازي بكل ما ذكرت من دون عصبية جاهلية مريضة, و هنا فإنه لا يستطيع أحد في وطني أن يزاود على وطنيتي و هويتي ...فأرجو أن لا يفعل أحد ذلك ...فأنا أتحدث عن دولة بمن عليها و ليس عن مزرعة خاصة .
خلاصة القول : هذه القوانين فصلت لزمن مضى و مفاهيم بالية و هاهو الميدان و الشارع في الانتخابات الاخيرة يبرهن صحة ما أقول من دون أن أسمي و انتم تعرفون ذلك أكثر مني .
نحن بحاجة لنواب وطن و ليس نواب خدمات و صفقات و مقاولات فهذه القضايا سيتولاها مجالس محلية على مستوى الاقليم و البلديات .
نحن بحاجة لنواب اقوياء قادرون على مساءلة الحكومة و محاسبتها و تشريع القوانين المناسبة و ليس قوانينا مسلوقة جميعها بحاجة إما لتغيير أو تعديل و أولها قانون الانتخاب الحالي الذي أضاع أصوات الناخبين و ذهبت في مهب الريح .
لا توجد قوة في العالم تقنعني بأن شخصا حصل على اقل من نصف مرشح آخر في نفس الدائرة يفوز بينما الآخر " يسقط ".
ما حصل يجب أن لا يتكرر و لا لأي سبب مهما حاول البعض تبريره أو التغني بشيء مخالف لأبسط قواعد الديموقراطية التي نسعى الى ترسيخها و تثبيتها و تجذيرها .
فالراجفون نفاقا على مستقبل الوطن اثبتت الايام بأنهم أضاعوا ربع قرن من عمر الوطن الحبيب في اجتهادات من اجل خدمة مصالحهم الضيقة بتخويف الناس من الاسلاميين و الفلسطينيين فكلاهما مكون اساس في الوطن و من حقهم الترشح و النجاح و تمثيل من يختارونهم بحرية و نزاهة و شفافية .
أقول لهم كمواطن غيور محب لوطنه و مواطنيه عاشق لأمته و وفي لدينه ...أقول لهم و بالفم المليان : لا سامحكم الله , خاصة أنه يحق لجلالة الملك حل المجلس في الوقت الذي يشاء .
حفظ الله تعالى الوطن من كل مكروه فالحياة لا تبدأ و تنتهي بانتخاب مجلس نواب مهما كان شكله و لونه . فالاردن الوطن فيه رجل تحميه و فيه رجال تفتديه بالمهج و الاموال و الارواح و تصبح فيه دماؤهم رخيصة ليظل قويا متماسكا متحدا و سدا منيعا أمام اعدائه في الداخل و الخارج .
فكل ما كتبته يتعلق بالمستقبل فالحاضر اصبح واقعا و الماضي نسيه الناس و الحديث عنه يؤخر و لا يقدم . فنحن نسعى لقانون انتخاب يناسب طبيعة مجتمعنا الاردني و ليس تقليدا لغيرنا كما حصل في قانون " النسبية " و التي لا يزال الكثيرون لا يعرفون عنها شيئا .
الوطن لكل ابنائه و ليس حكرا على فئة او مجموعة و هو وطن و ليس مزرعة لأحد . بناه الاجداد العظام و طوره الآباء و نحن حملنا راية الاستقلال و التقدم بعدهم و نحن بدورنا نحملها لابنائنا و احفادنا الجديرين به . فلا تخافوا على الأردن و لا تزاودا على بعضكم البعض فنحن نتنافس في حب الوطن و الولاء له و حمايته من الاخطار المحيطة به من كل جانب .
كاتب هذه السطور لا يعنيه ابدا من جاء و من ذهب و لا يأخذ مواقف مسبقة من أشخاص لا يعرفهم شخصيا . و بناء على ذلك أرجو أن لا يفسر مقالي على غير ما أريد به .
و يظل السؤال الكبير مطروحا ألا و هو : " هل سيتمكن المجلس الجديد بقديمه و حديثه من القيام بتحمل مسؤولياته المنوطة به بعيدا عن العنعنات و السعي وراء مصالح شخصية"
هذا ما نأمله .