تقف كشجرة سرو حنون على ناصية الطريق في وضح النهار تحمل كتابها. تستل من خيوط يومها زمنا لصبية صغار لا تعرفهم, وشاء القدر ان تجاورهم في البنيات الغربيه. وهم ينظرون اليها كملاك منقذ, يجلب لهم ولعقولهم حزمة من الضوء حين نسيهم الاخرون, ولم يلحظو حتى وجودهم. فتاة البنيات الغربيه, التي – وعذرا- لا زلت لا اعرف اسمها ولا اسماء طلابها رواد الرصيف. ولا أظنها تقف وقفتها المشرفة هذي تنتظر خبرا او صوره. الموقف جميل, ساحر, مؤثر وبصمة ليست في ذاكرة هؤلاء الصبية فحسب, بل بقلب كل حي في هذا الوطن. خير خجول, يترك خيوطا بيضاء في روحهم وروحنا, نحن الذين على حافة اليأس.
ثم اقرأ واسمع عن ما يسمونهم " المؤثرون في وسائل التواصل الاجتماعي", وأنا اسميهم أبطال الفيس بوك. أولئك الذين يستدرجون الاف بل عشرات الاف من المتابعين. يجلسون أمام شاشاتهم, يكتبون ما يكتبون, ويعرفهم الكثيرون. أتابع احيانا بعضهم فضولا فأشعر بالغثيان. قبل عدة أيام كتب أحدهم: "اريد افضل كذبه...."! وانهالت اشارات الاعجاب والردود. وما يثير الحيره, تسميتهم بالمؤثرين!
فعن أي تأثير يتحدثون؟, كتابات بلا معنى ولا محتوى ولا هدف, سطحية تستخف عقولنا, وتهبط بمستوى ذوقنا, فهمنا والمنا وامالنا التي يحولونها الى نكتة سمجه. وتصبح صفحاتهم منصة للطامحين بانتشار اسمائهم, فنعلم انهم موجودون! أي تغيير ايجابي هذا, سوى منفعة لشركات التواصل الاجتماعي.
المؤثرون, اولئك الذين يشبهون فتاة البنيات الغربيه. من يعملون ويصنعون فرقا وليسوا اولئك المتشدقون . ليست هي الارقام سيداتي وسادتي وانما هي نوعية التأثير وحجمه.
المؤثرون, كنادي الابداع بالكرك, يغير منظومة التفكير. او مبادرة حاره التي تغير تضاريس المكان. وغيرهم كثر وان كنا لا نعرفهم. قد يكون إماما في مسجد يسعى لاصلاح ذات البين ولا يكتفي بخطبة الجمعه. أو معلم يجالس طلابه الضعاف خارج أوقات عمله متبرعا. أو إعلامي يصدق القول والنقد والمدح, او موظفا يعمل ويجد ويجتهد ولا ينتظر تكليفا, أو مسؤولا يأخذ بيد مؤسسته وطاقمها دون الالتفات الى الاسماء والوصفات الجاهزه, أو أو.....
أن تتحول التحديات في الاوطان والاحداث في هذا التوقيت الى فكاهة لا لون لها ولا طعم فهذا مؤشر خطير يدل على منتهى انعدام الاحساس واليأس وهذا بالتأكيد ما لا نحتاجه من أبطال الفيس بوك وأمثالهم.
وبين البنيات الغربيه وأبطال الفيس بوك....يا قلبي لا تحزن, وأنتم أصحاب الخيار!