إعتدت أن أراه دائما منحازا للمصلحة العامة . يحاول بكل الطرق أن يقدم مصلحة الجماعة على مصالحه الشخصية .
قلت له ذات جلسة :" أنت يا صديقي بحق إبن بلد ." فبادرني بالسؤال :
ماذا تعني بمصطلح إبن بلد ؟
قلت : يا صديقي هذا يحتاج إلى شرح طويل ، والمقام لا يحتمل هذا المقال .
بعد فترة من الزمان التقينا ثانية .وعاد صديقي لطرح نفس السؤال عما قصدته حين وصفته بأنه إبن بلد ، فاقترحت عليه أن نجلس في ركن هاديء ، ففعلنا وتنحينا جانبا على هامش المناسبة .
قلت له : أنت يا صديقي تحب الجميع وتحب الخير للجميع ، وتحب الحق وتكره الباطل . لست أنانيا ولا متعصبا لا لرأي تطرحه ولا لقبيلتك ولا لمنطقتك . تبدي الرأي فتسمع وإذا اقتنعت تقر بصواب الرأي الآخر .
وأنت يا صديقي رجل معطاء ،تنفق من الجهد والمال ما أنت بحاجته أحيانا في سبيل الله وفي سبيل تحقيق مصلحة الجماعة .
وأنت يا صديقي تعمل بجد ونشاط ، لا تكل ولا تمل ،تحب العمل وتكره الكسل . لا تحب التقاعص ولا التواكل ولا الغش ولا الآيقاع بين الناس ، وأراك لا تطمع بمال أو جاه ، بل ابتغي رضا الله ورفعة الوطن .
وأنت يا صديقي صادق القول ، أمين . لا تحب الرياء ولا النفاق . فأنا لا أخشى على نفسي من مغيبة تصدر منك حين نفترق .
والمهم في الأمر يا صديقي أنك تحب وطنك ولديك الإستعداد للتضحية بالغالي والنفيس من أجله ، ولا تفعل ذلك حتى يقال أن فلانا قال كذا أو فعل كذا .
إنك يا صديقي بحق أبن بلد فأراك تحترم الكبير وتعطف على الصغير وتتمنى الخير للجميع ، ولا تنتظر الأجر من أحد .
قال مندهشا : أنا لست معصوما ، ولدي من الأخطاء الكثير .
قلت : نعم أنت يا صديقي لست معصوما ، فأنت لست ملاكا ، أنت تخطيء ، ولكن ما يميزك في هذا المجال شيئان :الأول ، أنك حين تخطيء ،سرعان ما تعترف بالخطأ وتعمل على تصويبه .
أما الثاني ، فإنك لا تتعمد الخطأ ، وحين تخطيء يصدر الخطأ عن طريق الخطأ .
مثلك يا صديقي يستحق أن يلقب بإبن بلد . نعم أنت بحق إبن بلد .
إغرورقت عيناه ، تأدبا وخجلا . فأدركت أن صديقي لا يحب المديح ، فاستأذنته وتصافحنا وقد علت وجه كل منا ابتسامة .