الله يكفينا شر المسؤول إذا عطس ، وقتها تقوم الدنيا ولا تقعد،فقط لمجرد أنه عطس،ويمكن أن تكبر الأمور وتدب الفوضى في أرجاء المكان ، والكل من حوله يتراكض ليقدم الشكر والتقدير للمسؤول على عطسته، التي دوت في المكان ، وشكلت صدى كبيرا في نفوس من سمعها .
تجد الجميع يتحرك بسرعة في رحلة البحث عن باكيت المحارم ، ليحظى أحدهم بأن يكون أول من يقدم للمسؤول ورقة المحارم ليمسح بها رذاذ عطسته ، وهو يشرح له مدى سعادته بهذه العطسة التي رافقتها شذارات تطايرت هنا أو هناك.
الأمر لا يتوقف عند ذلك فقط ، بل يصل إلى درجة، قياس مدى سرعتها وقوتها ، وما تركته في نفوس من سمعها وشاهدها ،ثم شرح مقدار تأثيرها على من وصلت إليه عن طريق تناقل خبر "عطسة المسؤول" ، وكيف كان وقعها على نفوس من سمعوا عنها، ولم يحالفهم الحظ في مشاهدتها وملامسة مخرجاتها، والتمتع بمتابعة أصدائها .
ستشكل "عطسة المسؤول" حديث الساعة بالنسبة للعامة، إلى درجة وصف مخرجاتها،وكيف أغلق عينيه خلال اندفاع الهواء فجأة من الأنف والفم وكيف تطايرت،لكنهم يتناسون أسباب العطسة ومقدار الجراثيم التي تطايرت ، والضرر الذي سببته لمن كان متواجدا في ذلك المكان ، لأنهم ركزوا في مشاهدتهم على مقدار الطاقة التي بذلها ذلك المسؤول خلال العطسة الشهيرة ،وتتحول إلى خبر عاجل، يتداوله المتملقون والمنافقون ، الذين يستثمرون أي تصرف يصدر عن المسؤول ويحولونه إلى عظة وحكمة في كيفية العطس واختيار وقته ومقدار القوة التي خرجت من العطسة ، حتى الاتجاه الذي أحدثته تجده محسوبا .
ولن تخلو المجالس من الثناء والمديح على عطسة المسؤول، التي ترافقها حملة اعلامية تدعم مصدرها ومؤديها ، إلى درجة أن يحولها هؤلاء المتكسبون إلى مبادرة يجب حمايتها وصونها، والاقتداء بها، والعمل على الحفاظ عليها ، وتسجيلها كحق ملكية فكرية لذلك المسؤول، صاحب الأنف المفطوس، الذي أطلق هذه العطسة التي لا صدى لها ولا صوت سوى عند أعوانه ،الذين لا يشغل بالهم سوى أن يمتدحوا المسؤول ويزيدون في نفخه وتعظيم كل ما يصدر عنه ، حتى لو كانت عطسة بهدف تكبير رأسه، ليحصلوا على مكتسبات لهم تعود بالنفع عليهم ، بمنأى وبمعزل عن مقدار الضرر الذي لحق الوطن من عطسته تلك .
ما لنا إلا أن نطلب من الله أن يجيرنا من عطسة المسؤولين غير المسؤولين ، ولا يمكننا إلا أن نقول للمسؤول عندما يعطس : "يهديكم الله ويصلح بالكم".. .
Jaradat63@yahoo.com