من باب الاستفادة من جميع مكونات المجتمع، فإن كل إنسان - ومن أي فئة كانت - لديه طاقة مخزنة بداخله يمكن استغلالها في خدمة بلده ، وتلمس ذلك لدى زيارتك إلى الجمهورية الصينية(تايوان)، التي تقوم بتشغيل جميع أبنائهاكل حسب قدراته ومؤهلاته،فليس هناك إنسان معطل ، حيث تعتمد على ذوي الاحتياجات الخاصة،وبالذات مرضى التوحد أو أصحاب الاعاقات البصرية أو السمعية، للاستفادة من مهاراتهم وقدراتهم لدمجهم بالمجتمع بعيدا عن العطف والشفقة،وتشغيلهم في مهنة العلاج الطبيعي ( المساج )، بعد تأهيلهم وتدريبهم على أساليب التدليك باليد، للعضلات والأربطة والأوتار والمفاصل المجهدة والمتشنجة ، والعمل على فكفكتها وتليينها،حيث تجد الدولة في هؤلاء طاقة كامنة،فهم يستمدونها من احساسهم العالي ويتفوقون به عن الأشخاص الطبيعيين.
غالبية الذين يعملون في هذه المهن في تايوان، هم من ذوي الاحتياجات الخاصة ، فلديهم قدرات على أداء عملهم باتقان وحرفية عالية، ميزتهم عن غيرهم ليستشعروا بالألم عند الأخرين،فقامت الدولة بتحويلهم إلى حرفيين مهرة في المجال الطبي العلاجي ،ولم يتطلب الأمر سوى تواجد من له القدرة على ايصال المعلومة بين المريض والمعالج الطبيعي من ذوي الاعاقة النطقية والسمعية .
لم تنظر حكومتهم إلى كونهم طاقات معطلة أو أنهم عالة على الدولة أو المجتمع،وإنما نقلتهم إلى فئة المنتجين وفئات قادرة على العطاء، رغم ما ابتلاهم به الله من مرض أو نقص،بحيث استفادت منهم بما يعود بالنفع على الأفراد والمجتمع والدولة ، وعلى أنفسهم و عائلاتهم التي تعتاش من دخلهم، من خلال تقديم خدمات مجتمعية للأخرين وبالتالي يكمل كل ذي نقص نقصَ غيره .
من الواضح أن بعض مسؤولينا اطلعوا على التجربة التايوانية، للإستفادة من قدرات ذوي الاحتياجات الخاصة ، وقاموا بنقلها وتطبيقها لدينا - لكن للأسف- بطريقة مبتكرة جديدة لا تمت للتجربة التايوانية بصلة ، ولكنها علامة مميزة وخاصة بنا ، قد لا نكون منفردين بها،لأننا نتشارك بها مع العديد من الدول العربية لنصبح من أصحاب الريادة في استخدامها،وتتمثل تجربتنا قيام بعض مسؤولينا باحضار الشخص وفي معظم المهن بما يتميز به من قدرات عالية في الواسطة والمحسوبية والشللية،ومن ذوي المصالح الخاصة من أتباع المسؤول وأعوانه وأبناء منطقته القادرين على تنفيذ أوامره وعدم مخالفتها ، وتعيينهم في مناصب متناثرة في وظائف الدولة ليضمن استمرار نفوذه بعد خروجه من الحياة العملية العامة ، وفرض سيطرته وبقائه داخل اللعبة السياسية ، وإن كان عن بعد .
إلا أن التجربة الأردنية تختلف عن التايوانية ، في أن ذوي المصالح الخاصة الذين يتم تعيينهم لدينا من قبل مسؤولينا المتنفذين لا يتم تدريبهم أو حتى التفكير بمعرفة قدراتهم،وفي الغالب لا يمتلكون أي قدرات متميزة ،ولا يتم التفكير حتى بتأهيلهم، فيبقون رغم ظفرهم بالمناصب غير قادرين على تقديم الحلول أو أي عمل نافع ، وينحصر دورهم بتقديم ما يصب بمصالح أولياء نعمتهم الذين كانوا سببا في تعيينهم ، واحضروهم بالبراشوت إلى الوظائف أو المناصب ، والعمل على ارضائهم ليبقوا محافظين على مقاعدهم .
فيما يتميز ذوو الاحتياجات الخاصة أنهم الأكثر نفعا للمجتمع ، وأصحاب الفائدة الأعم والأشمل من خلال تقديمهم لما حباهم به الله من نعم رغم فقدانهم للكثيرمن القدرات الجسدية أو من الحواس للأخرين دون انتظار سوى الشكر والأجر المحدد من البشر ، ولا يرجون من تقديمها أية مصالح أو مرضاة للغير ، ويسعون إلى كسب مرضاة الله ، وترجمة شكرهم على ما وهبهم الخالق من ابتلاء في خلقه.
بدا جليا أن ذوي المصالح الخاصة الموجودين بيننا بعد أن تعطلت قدراتهم التي تم توظيفها لصالح أشخاص معينين، أصبحوا أكثر إعاقة وعجزا بالمقارنة مع ذوي الاحتياجات الخاصة العابدين الشاكرين لله .
Jaradat63@yahoo.com