يعاني الاردن في هذه المرحلة من اختلال كبير في هرمون التعليم مما ينتج عنه أعداد كبيرة من الخريجين الذين يعجز سوق العمل عن استيعابهم وهذه النتيجة تنسحب على معظم التخصصات الموجودة في جامعاتنا الرسمية والأهلية التي تسجل على مقاعدها حاليا أكثر من 300 ألف طالب وطالبة .. هذا ما أثاره الاجتماع الطاريء الأخير الذي جمع عددا من الوزراء ورؤساء 26 جامعة اردنية حيث سألت جانبا وزير التعليم العالي الدكتور لبيب الخضرا عن كيفية استحداث بعض التخصصات التي لا يتوفر عمل حتى لخريجي فوجها الأول فكان جوابه لي هذا ليس ذنب الوزارة انما هي مسئولية الجامعات التي تطلب من هيئة الاعتماد بالموافقة لها باستحداث هذا التخصص أو ذاك .
موضوع النقاش في تلك الجلسة الساخنة تركّز بصورة خاصة على الأعداد الهائلة من خريجي الهندسات التي لا زال ابناؤنا بتشجيع من ذويهم يتنافسون على دراستها حتى بلغ عدد المسجلين حاليا على مقاعد الدراسة في الجامعات الاردنية 58 الف مهندس اضافة الى عشرات الآلاف من المهندسين الخريجين الباحثين عن عمل حيث يتوقع أن يصل عدد المهندسين الخريجين عام 2025 الى 230 الف مهندس .. مع الاشارة بوجود فائض حاليا في 38 تخصصا هندسيا ووصول 43 تخصصا الى مرحلة الاكتفاء . ويتعين هنا للمصلحة الوطنية ومصلحة الطلبة ضرورة وضع رؤية واهداف مشتركة بين الحكومة والجامعات ترمي الى تعزيز نوعية ومكانة التعليم الهندسي في الاردن بحيث تشتمل على تعديل الخطط الدراسية للتخصصات الهندسية من خلال الالغاء التدريجي للتي لا يوجد عليها طلب من سوق العمل وادخال برامج تخصصات هندسية جديدة لتلبية الاحتياجات الضرورية منها .
ويتساءل كثيرون عند طرح ومناقشة هذه القضية عن أسباب تلك التشوهات والاختلالات الموجودة في معظم التخصصات الجامعية ومن هو الطرف المسئول عنها .. هل هو الطالب المسكين الذي أنهى الثانوية وكان همّه فقط أن يخلص من معاناة وقرف التوجيهي أم ضغوطات الأهل على الأبناء المبنية على ثقافة التباهي الخاطئة لديهم أم مسئولية التعليم العالي الذي يوجد التخصصات من غير دراسة أو تخطيط لحاجة سوق العمل لها ؟ لا شك أنّ للأهل دورا فاعلا في توجيه الأبناء وارشادهم في رسم معالم مستقبلهم لكن من الضروري البعد عن المظاهر الاجتماعية والتقليد الأعمى في اختيار التخصصات الدراسية للأبناء مجاراة للأقارب والجيران والأصدقاء .. وهنا أود أن أهمس أيضا الى الآباء بأن الجهات الرسمية جادة الآن بتقديم توصية الى وزارة التعليم العالي بوقف تدريس العديد من التخصصات الهندسية والطبية نظرا للعدد الفائض من الخريجين وارتفاع نسبة البطالة بينهم وهذا يندرج أيضا على الكثير من التخصصات .. واننا في الاردن نخشى أكثر ما نخشى واضعين أيادينا على قلوبنا من احتمالية عودة الآلاف من المهندسن الاردنيين العاملين في احدى الدول الخليجية بعد صدور قرار باخضاعهم من جديد الى امتحان مستوى بهدف التقليل منهم وقد بلغ عددهم في تلك الدولة الشقيقة 25 الف مهندس أردني .. فيا أيها الأهل أنصحكم ألّا تتعجلوا في اختيار تخصصات أبنائكم عند التحاقهم في الجامعات حتى لا تندموا ومن باب أولى أن تبتعدوا في هذه المرحلة عن زجّهم بالكليات الهندسية والصيدلة فضلا عن التخصصات الفائضة الأخرى المعروفة لديكم .