زاد الاردن الاخباري -
منذ التحول إلى الديمقراطية، في العام 1989 ، شعر الكتاب والصحفيون في الأردن شعورا مختلفا، كنا نكتب (تقريبا) كل شيء، دون خوف أو وجل، قد تكون السنة الأولى مختلفة، فقد شهدت دخول صدام حسين إلى الكويت، وانشغلنا في مسائل خارجية، ولكن عندما هدأت الأحوال، كان البعض ما زال متمسكا بالأطر التقليدية، أو بقي مسجونا في هاجس الخوف، وانطلق البعض الآخر، أو انفلت عقاله، وراح يكتب وينتقد كل شيء، الأخضر واليابس، وظهر في بداية التسعينات مجموعة مميزة من الكتّاب والصحفيين الذين فهموا أن مساحة التعبير، كانت حقا بلا سقف.
لا أريد أن أتطرق لتجربتي الخاصة خلال التسعينات، والتي أكاد أجزم، أو أحلف، بكل تواضع، أنني كتبت مقالات لا تحتملها الجبال، ووضعت عناوين تسقط حكومات، وبقيت أترقب يوميا أن يتم اعتقالي، أو استجوابي، ولم يحدث ذلك سوى في تجربتين فقط احداهما مقال بعنوان (المؤامرة الكبرى)، وطلبت الجهات الأمنية بلطف زيارتها ولم أفعل، والثانية حول حكومة الكباريتي، حين رفعت سعر الخبز، في أواسط التسعينات، خمسة أضعاف، وكان بعنوان (لمن هذا البلد) وتمت محاصرتي بسلوك شخصي لم أتوقف عنده لأنه لم يعبر حينها عن رأي جهة رسمية، وغير ذلك لم يكن لحرية التعبير عندي جدران ولا عمق ولا سقف.
في العام 2010 بدأت أهاجم بشراسة حكومة سمير الرفاعي، ثم حكومة معروف البخيت وكانت عائلتي واصدقائي يخشون أن يتم معاقبتي بشدة على تلك المقالات، واستمريت بلا هوادة، وحصلت من خلالها، بلا فخر، على جائزة أكثر الكتاب المؤثرين في الأردن، ولم يحدث لمرة واحدة أن تم استدعائي أو محاسبتي، وكذلك لم يتم استجوابي مع أنني كنت، وبكل فخر، أول من قال (ارحل) في الوطن العربي، و كنت أيضا من دعاة أول جمعة غضب أردنية في الرابع عشر من كانون الثاني للعام 2011، ثم لأنني دعوت لأول جمعة غضب بالطفيلة، حين قام البخيت بإعتقال شبابها الذين رفضوا استقباله حينها وكتبت: (سجين طليق وحر يجر إلى المعتقل.. أفيقوا.. فهذي بلادي ومهجة قلبي ودمعة عيني التي في المقل..).. واستغربت بشدة، بعدها، أن المخابرات الأردنية تطلب مني اصدار تصريح بأن المخابرات لم تعتقل شباب حارة الطفايلة بل تحدثوا معهم وديا إبان الدعوة لجمعة رفع القبضة الأمنية، وكذلك لم يتم استدعائي أو القاء القبض علي في 9-9-2011 حين أعلنت الإضراب العام، بل تمت محاورتي بشكل علمي وعملي وإقناعي بأن المرحلة القادمة ستشهد تغييرا جذريا فشهدت حكومة الخصاونة وأقرار الحوار الوطني ونتائجه.
كل هذه المقدمة ليست استعراضا لمهاراتي ومغامراتي، بل أو ليست مدحا ببلدي ، الذي يستحق المديح، فيما وصلت حرية التعبير فيه، وليست مجاملة بالطبع لأجهزة الأمن التي أعتز بها حتى لو اعتقلوني، وليست أيضا ضد زملائي الذين تم اعتقالهم أو محاسبتهم على مقالات كتبوها، إنما هي كلمة حق، خطرت ببالي، حين قرأت تقريرا حول تضييق الخناق على حرية التعبير في الأردن، بعد إصدار قانون مكافحة الإرهاب، نشره موقع ميدل إيست مونيتور البريطاني، وبيّن التقرير أن “الصيغة الغامضة لقانون مكافحة الإرهاب؛ تسمح بتوجيه مجموعة من التهم ضد الصحفيين وغيرهم من المواطنين على نطاق واسع”، والحقيقة، ومع تحفظي الكامل على اعتقال أي صحفي، ما زلت أرى التقرير يتهجم على الأردن دون أدنى تقدير للأوضاع السياسية الصعبة التي يمر بها بلدي، وكأن كاتب التقرير، نسي أن الأردن يغلي على سطح صفيح ساخن، وأنه محاصر بمجموعات إرهابية، تحاول إقتحامه بكل الوسائل، وتحطيمه من الداخل، ونشر الفتنة بين مواطنيه، وخلخلة نظامه الأمني، بالإضافة إلى أعداءه المعروفين، والمستترين، الذين يصلون الليل بالنهار، في تخطيط مؤامراتهم ضد الأردن، لإسقاطه في الوقت الذي يريدونه، ويستخدمون وسائل الإعلام ووسائل التواصل لإجتماعي، لنخر عوده الصلب الممتنع، وإضعافه حتى يتهاوى في الوقت المعلوم لديهم.
هذه حقيقة، رضي من رضي وغضب من غضب، فالأردن، ومع نظامه الأمني المحكم، ما زال معرضا للتحطيم من قبل جهات كثيرة، بعضها نعرفه وبعضها لا يمكن التنبؤ بنواياه، وليس لهم سبيل سوى الإعلام بكافة وسائله، وقد تصبح حرية التعبير التي نأملها، والتي عملنا للحصول عليها سنوات طويلة، في لحظة، سيفا يهدد اسرتي الصغيرة وعائلتي وعشيرتي الكبيرة وبلدي الحبيب وكل من يقيم على أرضه الطاهرة المعطاءة.
سحقا لحرية التعبير غير المسؤولة، وسحقا لحرية التعبير التي أطلبها لنفسي فتعطي الحق لعدوي أن يمر من خلالها، وسحقا لكل تقارير المواقع والمحللين، الذين يجلسون خلف أجهزة (اللاب توب) في مكاتبهم الزجاجية وبلدانهم الآمنة، يحاسبوننا بحبر أقلامهم على إجراءات نتخذها لحماية أنفسنا وعائلتنا وأوطاننا، وسحقا لكل من يصدق هذه التقارير المدفوعة التي يكتبها مرتزقة الإعلام العالمي، وحتى يثبتوا عكس ذلك فليأتوا بأسرهم وعائلاتهم إلى الرمثا وليقفوا على حدودنا مع جنودنا البواسل يدافعون عنا ويقاتلون الإرهاب الحقيقي الذي يتجمهر عند أعتابنا !!