القوانين التي ستصدر قريباً وبخاصة قانون البلديات واللامركزية، قوانين تأتي في سياق خطة الاصلاح التي اعلن عنها الملك وطلب من الحكومة تنفيذها.
الاردن يعاني من خلل في القوانين صحيح يعاني من تشوه في البنية المؤسسية للدولة ايضا صحيح ويعاني من فراغ وفجوة بين الحاكم والمحكوم، يعاني من تلاشي الثقة بين مؤسسة الحكم والشعب ، يمارس صانع القرار دور الوصي العاقل المميز للأحداث على جماهير يعتبرها ناقصة عقل و تائهة.
الحكم في الاردن لم يثق طول حكمه بالشعب وصنع الحواجز وتعامل مع افراد المجتمع بصيغة المكارم والهبات لا المشاركة أو التشارك، فجوة تتسع يوماً بعد يوم.
حزمة القوانين الاصلاحية لا تخرج من إطار استمرار الوصاية وزيادة فرص انتشار الفساد، الاردن لم يكون في اي يوم من الايام دولة مؤسسات وقانون بل كان ولليوم دولة الواسطة والمحسوبية والمكرمة.
في قانون البلديات الجديد سيرفع عدد اعضاء المجالس البلدية الى الضعفين مما يربك الخطط التنموية والانمائية، وبزيادة عدد الوجهاء وبغياب ثقافة معرفة الواجب واحترام القانون فأننا امام صناعة قانونية لتخلف المجتمع وزيادة و تورم امراضه في الواسطة والمحسوبية وتجاوز القانون وضياع تكافؤ الفرص، مما سيخلق لنا مجتمعاً مثقل بأمراض اجتماعية كثيرة ومن اهمها تجاوز القانون والتعدي على سيادته مما يتيح تهميش نظرية دولة المؤسسات.
ولن يكون قانون البلديات فقط من يسهم بتدمير بنية الدولة بل ان قانون اللامركزية بالمجلس المنتخب له والمعين سيكون ايضا زيادة في عدد الوجهاء الذين يشكلون رأس الحربة في نحر دولة المؤسسات وسيادة القانون.
الانتخابات السابقة للبلديات والبرلمان مع كل ما نشر الا ان نسبة المشاركة لم تتجاوز 30% وصانع القرار يعلم هذا جيداً وكلنا يعلم ان كثير من الجهات طلبت من اشخاص كثر الترشح لزيادة نسبة المشاركة ، ومع عزوف الجماهير عن المشاركة بالترشح أو الانتخاب كانت النتيجة مجالس نيابية مهترئة ومجالس بلدية فاسدة.
قبل سنوات كثيرة طرح مشروع الاقاليم في الاردن وعارضنا قيامه والسبب ان الاردن مساحته محدودة ومدنه متداخله وموارده المالية محدودة جداً فالأصل ابقاء الاردن على حاله مع سيادة القانون من أجل بناء دولة المؤسسات.
الا ان ملف مشروع الاقاليم لم يطوى كون بنية الحكم في الاردن تقسم بين ملف الاقتصاد وملف الحكم المحلي وملف الخارجية والامن ، ومن المعلوم ان ملف الاقتصاد والخارجية والامن بيد القصر بصورة مباشرة وترك ملف الحكم المحلي للحكومة مع التوجيه الدائم من قبل القصر.
في بدايات عهد "الملك عبدالله الثاني" كان هناك محاولات لإعطاء الحكم المحلي الاستقلالية مع وجود المراقبة الدائمة والمحاسبة، وكثير من القرارات والتصرفات والتوجهات كانت تدل على محاولة اعطاء الحكم المحلي الاستقلالية دون الخلط بين الحكم المحلي وملف الاقتصاد والخارجية والامن .
وبغض النظر عن اننا نتفق او نختلف حول هذا التوجه الا ان الاصل قبل ان تطلق مثل هذه المبادرة التي يرى صانعها انها احد وجوه الديمقراطية وهي وجه جديد للفساد لأنها تزيد من عدد الوجهاء في ظل تفشي ظاهرة المحسوبية والواسطة المغلفة بثقافة مجتمعية صنعتها سياسة المكارم والهبات، وهي اسقاط ونحر لدولة القانون.
ما يحتاجه المجتمع الاردني الى هدم الهوة بين الشعب وصانع القرار والتشارك بصنع سياسات الاردن الداخلية والخارجية، وإعلاء دولة القانون وسيادته على كل اجهزة الدولة ، واعادة البناء الاجتماعي ضمن نشر وعي الثقافة الوطنية، وبناء دولة المؤسسات بإطلاق الحريات وتكافؤ الفرص ومنع الواسطة والمحسوبية من خلال العدالة الكاملة في توزيع الخدمات وتكافؤ الفرص في التعينات وفي تولي مناصب الدولة.
ان قانوني اللامركزية والبلديات سيعمل على ايجاد نخب صناعية ستكون جزء اساس من الفساد المنظم ، وسيمزق المجتمع الى دوائر اصغر مما هو عليها حالياً ، ونتيجة هذا سيكون الاحتجاج من قبل المقهورين اكثر شراسةً.
ما نحتاجه هو التصالح والتشارك دون فجوة من اي نوع.
المخططين في الاردن لا يدركون اطلاقاً ان شريحة واسعة من الجماهير تتحول تدريجياً الى رافضة بالمطلق لهم و زوال الثقة نهائياً ونتائج الانتخابات بكل انواعها ونسب المشاركة الحقيقية هي الدليل.
وزيادة عدد الناحرين لدولة القانون والمؤسسات سيزيد من اصرار الشريحة الاوسع على ان تحصل حقوقها بالعنف.
بدل القوانين نحتاج الى ثقافة وطنية وزيادة وعي نريد تكاتف لتثبيت وانشاء دولة القانون وبناء دولة مؤسسات وتشارك حقيقي بصنع القرار.