في ليلة رمضانية ، وهو يبحث بعينيه عن ذلك المكان المخصص لاصطفاف السيارات الخاصة بالمعاقين أو المعوقين أو ذوي الاحتياجات الخاصة، أو أي تسمية ترونها مناسبة تماشيا مع المصطلحات المتداولة ، التي تطلق عليهم ويتم تغييرها بين الحين والآخر ، وجد أن المكان مشغول بسيارة ذات لوحة حمراء ، تساءل في نفسه حائرا ، من ذاك المسؤول الذي يستعمل الكرسي المتحرك، وابتلاه الله بإعاقة جسدية تستوجب استخدام ما يخصص لأصحاب هذه الحالات ؟!.
كرد فعل مباشر وبعد تفكير مطول ،اضطر لأن يعرض سيارته بطريقة تعيق سيارة ذلك المسؤول والمصطفة في المكان المخصص للمعاقين ، وجلس في سيارته المعفاة من الجمارك أمام تلك السيارة المعفاة أيضا من الجمرك ، وهو ينتظر قدوم سائق اللوحة الحمراء ، وما أن حضر أخيرا حاملا بعض الأكياس في يد، والهاتف الخلوي باليد الأخرى ، جلس خلف المقود واضعا يده على"الزامور" السيارة بصورة متواصلة تعبر عن مدى غضبه لوقوف سيارة خلفه تعيق مسيره .
قرر صديقنا صاحب حق الاصطفاف بالمكان المخصص لذوي الاعاقة أن لا يتحرك من مكانه ، وبدأت حركات اليد الغاضبة من صاحب اللوحة الحمراء تشير له بالتحرك ، لكن صديقنا استمر بالتعنت رافضا التحرك من مكانه ، مما اضطر صاحب اللوحة الحمراء النزول من سيارته والتوجه نحو السيارة المعترضة .
وبتعابير غاضبة قال له : "مش سامع " ، وأشاح صاحبنا ذو الاعاقة بوجهه عن ذلك المسؤول ، وفتح شباك السيارة وأجابه : أنا لا اسمع! وأنت لا ترى ؟! هذا المكان مخصص للمعاقين أصحاب الكراسي المتحركة ، وليس لأصحاب المناصب والكراسي الدوارة.
وأكمل صاحبنا المعوق من قبل المجتمع، الذي تهمله المؤسسات ولا تقدم التسهيلات له ولغيره ممن ابتلاهم الله قائلا: هذا الكرسي المتحرك الذي أكرمني الله به هو لي وحدي مدى الحياة ، أما أنت يا من تجلس على كرسي دوار،فإنه يوم لك ويوم لغيرك ، عدا أنني قادر على تحريك كرسيي الشخصي بمفردي، وهذا عكسك تماما حيث أن أسيادك يتقاذفونك من مكان لآخر ، وفي يوم تجدهم ينزعونه من تحتك عنوة، ودون استئذان ليستبدلوك بمن يرونه خيرا منك .
ورغم أنني لم أسع للظفر بهذا الكرسي المتحرك، إلا أنني أبقى من الشاكرين الحامدين لربي على نعمه ، وأنت الحامد الشاكر لمن أجلسوك على الكرسي، الذي طالما حلمت به وسعيت له ، إلا أنه من المفارقة أن الجالس على كرسي الاعاقة يحظى بالاحترام والتعاطف ، بينما يحظى الكرسي الدوار على الاحترام بغض النظر عن من يجلس عليه .
والأهم من ذلك كله ، أنني الأقدر على إدارة الكرسي الخاص بي والتحكم به، على العكس من كرسيك الذي يدار في الغالب من قبل مرؤوسيك ، عدا عن قدرتي بالحفاظ على توازني من خلال استخدام التحكم "بالبريكات" التي قد تلوث يدي في بعض الأحيان ، وهذه المشكلة يحلها الماء والصابون،فهما الكفيلان بإزالة ما علق بهما ، فيما يجد البعض من أصحاب الكراسي الدوارة الصعوبة في إزالة ما علق بيده من تلوث أصاب سمعته قبل يديه .
عندها فقط توقف صاحب كرسي الاعاقة عن الحديث ، وقال لصاحب الكرسي الدوار : مرة أخرى لا تعتد على مكان غير مخصص لك ، والزم حدودك ، وتذكر أن امتيازاتي، أنا صاحب الكرسي المتحرك تدوم ، أما أنت يا صاحب الكرسي الدوار فتنتهي امتيازاتك فور تركك للكرسي ، وتذكر أن حقوقي محفوظة لي ، وحقوقك في الغالب قد تكون قد أخذت بالتعدي على الغير أو بالقوة .
وتبقى الاعاقات على تباينها تجمعنا ..
Jaradat63@yahoo.com