يغدو الحوار في هذا الزمان من ضروريات الحياة وضمان استمرارها، كون به تزول الحواجز وتنكشف الطريق ويسهل الوصول مع الاخر الى قاعدة ثقافية مشتركة لاستيعاب الواقع والتطلع نحو المستقبل من خلال تنمية القواسم المشتركة والجوانب الاجابية بعيدا عن الهيمنة أو الاقصاء والاختراق. والمتامل في بعض النصوص القرأنية المباركة يجد فيها مشهدا متكاملا لكل اساليب الحوار وموضوعاته على مستوى حوار الذات وحوار الاخر بغية الوصول بالانسان الى الحق، وما يتبع ذلك من تزكية النفس وصقل للمواهب وشخذ الهمم وتسويع دائرة التفاهم وتنمية الخبرات وترسيخ الاتجاه نحو الشفافية والانسجام، اضافة الى تحقيق الوفاق بين ابناء الامة الواحدة والتفاهم المشترك بين الشعوب على قاعدة الكرامة والعدالة والمساواة.
ولقد تحملت النبوات كل اصناف الاذى والاساءة في سبيل حماية الحوار وتأمين أجوائه وفتح قنواته حتى أن المواجهة أنما شرعت في الاسلام لتأمين حرية الحوار وحماية العقيدة وليس لاكراه أحد على الايمان والدين، ذلك أن المواجهة العمياء هي عودة الى حياة الغاب وشريعة الافتراس والقوة، ولقد ادرك خصوم الاسلام هذه الحقيقة وأيقنوا أن الحرية والحوار هما المناخ السليم لامتداد الاسلام وانتشاره فعملوا على تأزيم الحياة الاسلامية بمختلف الاساليب والوسائل لاغلاق الطريق امام الحوار ثم استفزازنا بعد ذلك، ودفعنا الى الانفعال والغضب والعنف ليقال وراء ذلك ها هم المسلمون وهذه هي طريقتهم في الحوار. ومما يؤسف له أن تقع بعض مؤسسات العمل الاسلامي في هذا الشرك متوهمة أن المواجهة هي السبيل الامثل الذي يختصر المسافة ويحقق الغاية لتكشف فيما بعد أنهاء لم تحقق غاية ولم تختصر مسافة، وانها بهذا أساءت الى نفسها والى الاسلام الذي تحمله وتذب عنه.