أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى 5 مجازر ضد العائلات في قطاع غزة اليوم 202 للحرب أسعار الخضار والفواكه في السوق المركزي الخميس الأردن على موعد مع حالة ماطرة استثنائية تستمر 10 أيام الاتحاد الأوروبي ومركز الدراسات الاستراتيجية يعقدان مؤتمر "الطريق إلى شومان" 1,223 مليار دينارا قيمة الصادرات الكلية للأردن حتى نهاية شباط الماضي خصم (تشجيعي) على المسقفات من بلدية إربد "آكشن إيد": غزة أصبحت مقبرة للنساء والفتيات بعد 200 يوم من العدوان على غزة بلدية برما في جرش: نسبة الإنجاز في مشاريع نُفذت وصلت إلى 100% إلقاء القبض على لص (الجاكيتات) في عمان مباراتان بدوري المحترفين الأردني الجمعة مهم من الضمان حول تأمين الشيخوخة المعلق خلال كورونا الاحتلال اعتقل 8455 فلسطينيا من الضفة الغربية منذ بدء العدوان 114 دعوى سُجلت لدى وحدة سلطة الأجور في وزارة العمل في الربع الأول من 2024 أكثر من 34.3 ألفا حصيلة الشهداء في غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي البيت الأبيض : نريد إجابات من إسرائيل بشأن المقابر الجماعية في غزة تطبيق نظام إدارة الطاقة في قطاع المياه 350 مستوطنا اقتحموا الأقصى خلال الساعة الأولى من بدء الاقتحامات نصراوين: حلّ مجلس النواب قد يكون منتصف تموز المقبل استشهاد الصحفي محمد بسام الجمل بغارة شرق رفح
تنظيمات إسلامية عابرة للحدود – الحلقة الثانية
الصفحة الرئيسية مقالات مختارة تنظيمات إسلامية عابرة للحدود – الحلقة الثانية

تنظيمات إسلامية عابرة للحدود – الحلقة الثانية

06-05-2015 10:46 AM

الحلقة الثانية

مقدمة لا بد منها
كتابي السابع عشر هذا « التنظيمات الإسلامية الخمسة العابرة للحدود « يصدر في سياق تفاقم حالة الصراع في العالم العربي واحتدامه بشكل عبثي ودموي، بعد انفجار ثورة الربيع العربي التي توسلت البحث عن :

1- التحرر والاستقلال، وامتلاك زمام المبادرة وحرية اتخاذ القرار.

2- الطمأنينة ولقمة العيش الكريم متضمنة ثلاثة مطالب أساس يفتقدها المواطن العربي هي الراتب المناسب، التأمين الصحي، والضمان الاجتماعي عند التقاعد والوصول إلى الشيخوخة.

3- والديمقراطية والتعددية وتداول السلطة والاحتكام إلى نتائج صناديق الاقتراع، ولذلك جاءت كتبي في سلسلة قضايا ثلاث رئيسة متداخلة، سلسلة الكتب الأردنية تحت عنوان : معاً من أجل أردن وطني ديمقراطي، وسلسلة الكتب الفلسطينية تحت عنوان : معاً من أجل فلسطين والقدس، وسلسلة الكتب العربية تحت عنوان : من أجل عالم عربي تعددي ديمقراطي موحد .


وكتابي السابع عشر هذا مرتبط بكتابين، سبق نشرهما، وهما:

1- حزب الإخوان المسلمين في الميزان، و2- الدور السياسي لحركة الإخوان المسلمين، في إطار تنظيمات وأحزاب التيار الإسلامي، تأكيداً لدورهم ومكانتهم وقيادتهم للحركة السياسية في العالم العربي، في غياب أحزاب التيار اليساري، وأحزاب التيار القومي، وأحزاب التيار الليبرالي، التي تضررت بفعل الحرب الباردة ونتائجها .


كما جاء كتابي هذا على خلفية كتابي الذي صدر العام 2013 عن ثورة الربيع العربي أدواتها وأهدافها، وحصيلتها أن الثورة ما كانت لتكون لولا توافر العامل الموضوعي المحفز للاحتجاجات والدافع لها والمتمثل بغياب الاستقلال السياسي والاقتصادي عن بعض البلدان العربية، وهيمنة اللون الواحد، والحزب الواحد، والعائلة الواحدة، والطائفة، والشخص الفرد المتحكم بمفرده في إدارة الدولة، في أكثر من بلد عربي، وأخيراً بسبب غياب العدالة والطمأنينة وعدم توافر الخدمات الأساس من صحة وتعليم وضمانات اجتماعية للمحتاجين .


أما العامل الذاتي في ثورة الربيع العربي، فقد اقتصر على مؤسسات المجتمع المدني بما تحمل من مفاهيم عصرية عن الديمقراطية والتعددية واحترام مشاركة المرأة في مؤسسات صنع القرار، وبما تملك هذه المؤسسات ( مؤسسات المجتمع المدني ) من علاقات مع مؤسسات أوروبية وأميركية توفر لها الحصانة والدعم المطلوبين، ولكن بسبب غياب دور الأحزاب اليسارية والقومية والليبرالية، فقد استثمرت أحزاب التيار الإسلامي حصيلة الربيع العربي ونتائجه كي تكون هي صاحبة القرار، سواء عبر تفاهمها مع الأميركيين، أو عبر حصولها على الأغلبية البرلمانية كما حصل في فلسطين والعراق ومصر وتونس والمغرب، أو لامتلاكها الخبرات القتالية على أثر دورها في أفغانستان، ورغبتها في التغيير الثوري الجوهري، فاحتكمت إلى وسائل العنف واستعمال السلاح لمواجهة الاحتلال الأميركي للعراق، او لإسقاط النظم القائمة في ليبيا وسوريا واليمن، وحصيلة ذلك إخفاق ثورة الربيع العربي للآن، رغم توافر العامل الموضوعي ونضوجه لقيام الثورة، تغييراً للواقع، نحو الأفضل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولكن الإخفاق الفاقع يعود لعدم نضوج العامل الذاتي، وكثرة نواقصه، وعدم اكتماله.

بصفته أداة الثورة ومحركها، وطالما أن العامل الذاتي كان ناقصاً، ولم تكتمل حلقات نضوجه، فقد انعكس ذلك على ضعف أدائه وعلى نتيجة أفعاله، فغياب أحزاب التيارات الثلاثة اليسارية والقومية والليبرالية وضعفها، جعل الوضع متروكاً لقوة ونفوذ أحزاب التيار الإسلامي، التي لا تؤمن لا بالتعددية ولا بالديمقراطية، ولا تملك البرامج الاقتصادية والاجتماعية الكافية، لجعلها أداة في يد عامة الناس، وهدفاً لها كي تلتحم مع الثورة وتلتف حولها، فانطبق على المواطن العربي المثل القائل أنه مثل الشخص الذي هرب من الدلف فوقع تحت المزراب، وغدت الأنظمة السابقة بعجرها وبجرها، هي أفضل حالاً مما وقع لاحقاً، من هيمنة ونفوذ وتأثير الأحزاب الإسلامية، وقيادتها للعمل السياسي وللتغيير الثوري، مسنودة بعواصم إقليمية، فحاضنة الإخوان المسلمين تركيا وقطر، وحاضنة ولاية الفقيه الدولة الإيرانية؛ ما خلق حالة من الصراع الإقليمي والدولي المباشر في منطقتنا، وعلى أرضنا، وعلى حساب دماء شعبنا وثرواته .


إذن هذا الكتاب، ليس فلسفة معرفية، بل هو إضافة سياسية تراكمية، لوضع ثورة الربيع العربي في سياقها من أجل إنتصار الديمقراطية في العالم العربي، وتحقيق الطمأنينة بلقمة العيش الكريم بالصحة والتعليم والضمان الاجتماعي، وتحرير فلسطين .


هذا الكتاب يسلط الضوء على التنظيمات الإسلامية الخمسة العابرة للحدود، أي أنه يستهدف القوى الإسلامية الأساس القيّا تأثيراً ومكانة في العالم العربي، ولا يستهدف تنظيمات إسلامية محلية في هذا البلد العربي أو ذاك، بصرف النظر عن قوتها أو ضعفها، بل هو يستهدف التنظيمات الإسلامية الخمسة العابرة للحدود، والتي تعمل في السياسة، ولها تأثير على صنع القرار، أو على صنع الأحداث الجارية : 

1- حركة الإخوان المسلمين .

2- ولاية الفقيه الإيرانية .

3- تنظيم القاعدة .

4- تنظيم الدولة الإسلامية داعش .

5- حزب التحرير الإسلامي.


لذا أرجو أن يقدم شيئاً جديداً، للقارئ، وللمكتبة العربية، وأن ينال الاهتمام كما يستحق، وفق الجهد الذي بذل وتحقق.
حمادة فراعنة *

أرضـيـة صعـود الأحـزاب الإسـلامـيـة وخـلفيتـهــا

تطورات تاريخية
ليس صدفة نمو وتطور الحركة الإسلامية في العالم العربي، واتساع تأثيرها، وتفوق أحزابها وتنظيماتها على ما عداها من أحزاب سياسية يسارية أو قومية أو ليبرالية، فتطور أحزاب التيار الإسلامي، له أسبابه الجوهرية، وعوامله الموضوعية الخارجة عن الرغبات الذاتية، أو صواب الفكر الذي يقف خلف هذا التيار، أو خطأ الفكر المرجعي لأحزاب التيارات الأخرى، فالجميع يدّعي، أو يؤمن أنه على صواب، وإلا لما سلك طريقه المرجعي والفكري، وقاتل من أجله .


ففي كل مرحلة تاريخية، يصطدم الفكر السائد بأمراض ذاتية داخلية، تعصف به، تجعله يتوجع من ذاته ويتراجع ويذوي ويتآكل من داخله، كما حصل للدولة الإسلامية العثمانية، فالفساد والذاتية وعدم التجاوب مع العصر، أدى إلى انهيار الدولة الإسلامية وهزيمتها، وهذا لا يعود إلى خلل الفكر الإسلامي، أو إلى تراجع الإسلام وهزيمته، فقد بقي الإسلام صامداً في نفوس البشر الذين يؤمنون به، رغم هزيمة الدولة الإسلامية وانحسارها .


والاتحاد السوفيتي الكبير انهار لعدة أسباب، يقف في طليعتها أولاً- غياب الديمقراطية والتعددية، وسوء الإدارة الداخلية وتحكم الحزب الواحد واللون الواحد ووجهة النظر الواحدة في إدارة الدولة .

ثانياً- بسبب تدخله العسكري في أفغانستان واستنزافه وهزيمته هناك، على أيدي المجاهدين .

أما السبب الثالث، فيعود إلى مأزق العامل الاقتصادي، وتراجع إنتاج النفط، فقد أعلن رئيس الوزراء الروسي ينغور غيدار، في خطاب له يوم 13/11/2006 بقوله « يمكن تعقب بدايات إنهيار الاتحاد السوفيتي إلى 13 أيلول 1985، إذ أعلن وزير النفط السعودي أحمد زكي اليماني، أن العربية السعودية، قررت تغيير سياستها النفطية، وخلال أقل من سنة، هبطت أسعار النفط من 32 دولارا للبرميل إلى 10 دولارات، ومقابل ذلك ارتفع إنتاج السعودية من 2 مليون برميل يومياً إلى 10 ملايين، وقد أدت تلك السياسة، سياسة هبوط الأسعار، وارتفاع معدلات الإنتاج النفطي إلى خسارة الاتحاد السوفيتي ما يقارب 20 مليار دولار في السنة، جعلت الدولة السوفيتية غير قادرة على تغطية احتياجاتها المالية، وعدم قدرتها على النجاة بنفسها « ( توماس فريدمان في نيويورك تايمز 14/10/2014 )، كما يحصل اليوم إذ تسعى السياسة النفطية السعودية الأميركية إلى معاقبة روسيا وإيران والعمل على هزيمتهما في أوكرانيا وسوريا.


وانهيار الاتحاد السوفيتي، لم يكن أحد يتوقع حصوله، نظراً لامتلاكه المواد الخام الهائلة من الفحم والغاز والبترول والذهب والعلم والتطور ولم يكن يتوقع أحد انهياره، لا المخابرات المركزية، ولا أجهزة التجسس ورصد المعلومات، ومع ذلك انهار الاتحاد السوفيتي، واستقلت عنه دول وشعوب، وبات أسيراً لمشاكله الداخلية، حتى خرج منها تدريجياً على طريق التعافي والتماسك والقوة، عبر الديمقراطية، وتوسيع قاعدة الشراكة، واعتماد مبدأ تداول السلطة، وحال روسيا، حال تركيا من قبل، التي هُزمت في الحرب، وها هي تستعيد عافيتها لتكون إحدى الدول العشرين المتقدمة اقتصادياً، وتسعى لكي تكون إحدى الدول العشر الكثرى تطوراً وتقدماً في العالم .


نهوض الحركة الإسلامية، وأحزابها، لم يكن عبثاً أو صدفة أنها نمت وقويت وتطورت خلال الفترة الممتدة من منتصف الثمانينيات إلى بداية التسعينيات، حتى غدت أحزابها الإسلامية هي الأقوى بلا منازع مع إشراقة القرن الواحد والعشرين، وهذا يعود لعدة أسباب جوهرية متداخلة يقف في طليعتها أربعة أسباب هي :

أولاً : هزيمة الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، على أيدي المجموعات الإسلامية المسلحة، وتوجهاتها المختلفة، وخاصة حركة الإخوان المسلمين، وولاية الفقيه الإيرانية، وبدعم أميركي وخليجي، وولادة تنظيم القاعدة الجهادي العابر للحدود، من رحم الثورة الأفغانية الإسلامية، ومن داخل حركة الإخوان المسلمين؛ ما عزز من نفوذها، بفعل إنتصارها في أفغانستان، وارتفاع معنوياتها وثقتها بنفسها، وانتشار وتوزع فروعها، واستقطابها لقواعد شابة، تواقة للتغيير، وجدت أمامها أحزاب التيار الإسلامي المتوثبة، وأمامها أحزاب التيارين اليساري والقومي الضعيفة المنحسرة، وغياب لأي حزب ليبرالي يقظ ومتقدم .


ثانياً : انتصار الثورة الإسلامية في إيران 1979، بقيادة الإمام الخميني، وحزب ولاية الفقيه الإيرانية، والتي شكلت سنداً لمجمل أحزاب التيار الإسلامي، وبشكل خاص لأحزاب ولاية الفقيه، ولأتباع المذهب الشيعي في لبنان والعراق واليمن وسائر بلدان الجزيرة العربية .


ثالثاً : هزيمة الشيوعية والاشتراكية والإتحاد السوفيتي في الحرب الباردة العام 1990، وانعكاس ذلك على أحزاب التيارين اليساري والقومي في العالم العربي، بعد أن فقد اليساريون والقوميون حليفهم الإستراتيجي، وباتوا بلا رافعة تساعدهم في معاركهم ضد الإمبرالية المتوحشة، وضد التوسعية الصهيونية الإسرائيلية، وضد خصمهم اللدود في العالم العربي، الأنظمة المحافظة المتحالفة مع أحزاب التيار الإسلامي طوال الحرب الباردة .


رابعاً : فشل التيار القومي، وأحزابه، في تقديم أنموذج يُحتذى، وإخفاق إدارته للدولة في كل من مصر وسوريا والعراق، إضافة إلى ليبيا واليمن، سواء في مواجهته للقوى المعادية، وخاصة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، المدعوم من قبل الطوائف اليهودية في أميركا وأوروبا، وإخفاق التيار القومي في توسيع قاعدة المشاركة مع أحزاب التيار اليساري، وتسلطه ضد الأخرين وتفرده في السلطة، وتقويضه لكل مفاهيم الجبهة الوطنية، وقيمها .


وعليه يمكن القول، إن قطاعاً واسعاً من الناس، لم يدرك -بعد أكثر من عشرين سنة- حجم الخراب الذي سببته نتائج هذا الصراع، بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، والنتائج المدمرة للحرب الباردة وانعكاساتها على المجتمع الدولي وتأثيرها عليه، من مجتمع يتحكم فيه معسكران متنافسان أحدهما بقيادة الاتحاد السوفيتي، والآخر بقيادة الولايات المتحدة، إلى التحول الذي تم، إذ أصبح العالم برمته يتحكم فيه طرف واحد نسبياً هو مجموعة الدول السبع الثرية، ومجموعة العشرين، وحلف الناتو وجميعها بقيادة الولايات المتحدة، التي انفردت مع حلفائها في إدارة المجتمع الدولي، وفرض سياستها على العالم، بما فيه العالم العربي، بل كان العالم العربي، من أوائل التجمعات الدولية التي تأثرت بنتائج الحرب الباردة، ورضخت لنفوذه وديكتاتورية أصحابه .


وقد كان من أبرز الذين لم يدركوا خطورة ما آل إليه المجتمع الدولي، والعالم العربي، من رؤية أحادية، على أثر نتائج الحرب الباردة، شخصية رفيعة قوية بمكانة الرئيس الراحل صدام حسين، حينما اجتاح الكويت في آب 1990 وألحقها بالعراق، دون أن يحسب حساب غياب الاتحاد السوفيتي، وزيادة نفوذ الولايات المتحدة، وانفرادها بإدارة السياسة الدولية وفق حساباتها، ومن دون احترام للآخرين، إذ كانت النتيجة وخلاصتها احتلال العراق بالكامل من قبل القوات الأميركية العام 1991، وإسقاط نظامه السياسي العام 2003، وإسقاط نظام الرئيس معمر القذافي بالقوة المسلحة، بينما فشلت الولايات المتحدة بالتدخل عسكرياً في سوريا بهدف إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، وذلك يعود إلى استعادة روسيا لقوتها ومكانتها، وقد أكد ذلك وزير خارجية روسيا لأحد الرؤساء العرب الزائرين لموسكو بقوله :


« لقد استغلت واشنطن غياب الاتحاد السوفيتي، فقامت بإسقاط أنظمة الحكم في كل من العراق وليبيا في غفلة من الموقف الروسي، ولكنها لن تستطيع فعل ذلك في سوريا « .


وعلى عكس الرئيس العراقي، أدرك الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، نتائج الحرب الباردة الوخيمة، بغياب معسكر سياسي قوي وكبير كان سنداً لقضيته الوطنية، ومظلة لتحركاته، وأداة كفاحية في معاركه، وقد افتقد هذا كله بغياب الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، ولذلك أحنى رأسه للنتائج المدمرة، وخفض من تماسكه وحرصه على مكتسباته الوطنية، ووافق على المشاركة في مؤتمر مدريد في تشرين الأول 1991، بوفد فلسطيني يُمثل الضفة والقدس والقطاع، من خارج مؤسسات منظمة التحرير، وإن كان الوفد ينتمي سياسياً لبرنامج منظمة التحرير، ويُدين لها بالولاء ولكنه كان جزءاً من الوفد الأردني، ضمن الوفد الأردني الفلسطيني المشترك، أي أنه لم يكن وفداً فلسطينياً مستقلاً، وكان ذلك تعبيراً دقيقاً عن فهم أبي عمار لمدى الخراب الذي مس الوضع الدولي، بتغير موازين القوى بشكل كامل لصالح معسكر الولايات المتحدة الداعمة والمؤيدة للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي الصهيوني، وهي التي دعت إلى مؤتمر مدريد، وسعت إلى عقده وإنجاحه .


ومقابل ذلك رأى نتنياهو، عبر كتابه « مكان تحت الشمس « أهمية نتائج الحرب الباردة وانعكاساتها المباشرة لصالح المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، فكتب قائلاً :


« لقد أدى انهيار الاتحاد السوفيتي، الذي كان يدعم الدكتاتوريين العرب، وهزيمة العراق في حرب الخليج، إلى خلق ظروف دولية مريحة لتحقيق الهدف الإسرائيلي، أي تحقيق تسويات سلمية مع العرب، لا تسلب من إسرائيل مكاسبها في حرب الأيام الستة ( حزيران 1967 )، وعلى أساس هذا المفهوم شرعت إسرائيل لأول مرة في مفاوضات مباشرة مع كل جيرانها العرب في مؤتمر السلام الذي عقد في مدريد 1991 «، ( كتاب بنيامين نتنياهو، مكان تحت الشمس، ص 54 – 55 ) .


لقد شكلت نهاية الحرب الباردة نقلة نوعية، ومحطة هامة في مسار تطور الأحداث عالمياً وانعاسكاتها على منطقتنا العربية، فقد أدت هزيمة الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة، إلى تراجع وانحسار معسكر اليسار العربي، إذ بات ضعيفاً، بهزيمة مرجعيته السياسية والفكرية، وأنموذجه الذي كان يسعى إليه، ويعتمد عليه، المعسكر الاشتراكي الذي كان بمثابة مظلة، ورافعة لأحزاب التيار اليساري في العالم العربي، وفي العالم أجمع، ولم تقتصر نتائجها السلبية على هزيمة المعسكر الاشتراكي وضعف تنظيمات التيار اليساري بل انعكس ذلك -أيضاً- على تراجع التيار القومي العربي وإخفاقاته في تحقيق أهدافه الوطنية والقومية، خاصة بعد احتلال العراق العام 1991 وإسقاط نظامه العام 2003، نظام حزب البعث العربي الاشتراكي القومي .


إذن نتائج الحرب الباردة أدت، إلى هزيمة التيار اليساري، وإلى إخفاق التيار القومي، وبقي التيار الثالث السائد في العالم العربي، وهو التيار الليبرالي، مغيباً، لأن الليبرالية، لا تنجح ولا تتفوق ولا تظهر، إلا في ظل الديمقراطية، وعندما كان النظام العربي برمته، نظاما غير ديمقراطي، لم تكن أنظمته الملكية والجمهورية تحتكم لصناديق الاقتراع، فإن الليبرالية فيه، تكاد تكون معدومة؛ لأنها لا تنمو ولا تتطور إلا في ظل النظام الديمقراطي، وهكذا نصل إلى النتيجة الماثلة أمامنا، والمتمثلة بهزيمة أو ضعف أو تلاشي التيارات الثلاثة في العالم العربي :

1- التيار اليساري و2- التيار القومي و3- التيار الليبرالي، ووحده التيار الإسلامي نما وتطور، في ظل غياب أو ضعف أو تراجع التيارات السياسية الثلاثة المذكورة .


ولذلك نما التيار الإسلامي وتطور، بأحزابه الأربعة العابرة للحدود، وتمت تقويته خلال الحرب الباردة، لسببين جوهريين : أولهما غياب منافسيه من التيارات الثلاثة اليسارية والقومية والليبرالية، فانفرد وحده في تنمية قدراته واتساع قاعدته وسط الناس، والجماهير الشعبية العربية، وثانيهما بفعل تحالفاته وتفاهمه مع الولايات المتحدة الأميركية، وحلفائها وأصدقائها من أطراف النظام العربي، طوال الحرب الباردة، وخوضهم العمل المشترك ضد الشيوعية والاتحاد السوفيتي، وضد فصائل التيارات السياسية الثلاثة الأخرى، فصائل اليسار، وأحزاب التيار القومي، والاتجاهات الليبرالية التقدمية الديمقراطية، وضد عبد الناصر وصدام حسين وحافظ الأسد، وضد منظمة التحرير الفلسطينية، وتم ذلك عبر التفاهم والتحالف والعمل المشترك مع النظام الخليجي والسادات وجعفر النميري والحكومات الأردنية المتعاقبة .


وبهذا تكون أحزاب التيار الإسلامي الأربعة وهي حركة الإخوان المسلمين، وولاية الفقيه الإيرانية، وتنظيم القاعدة، وحزب التحرير الإسلامي، جنت ثمار الحرب الباردة ونتائجها، وهذا هو سبب قوتها وتفوقها، على أثر تلك الحرب، فقد كانت حليفة للمعسكر الذي انتصر، بل كانت شريكة في العمل الذي أنتج هذا الانتصار على المعسكر الاشتراكي وعلى حلفائه العرب من اليساريين والقوميين، ومع العلم أن الأحزاب الثلاثة الأولى تحالفت وعملت مع الولايات المتحدة، ووظفت الجهاد وراية الإسلام خدمة للمصالح المشتركة، طوال الحرب الباردة باستثناء حزب التحرير الإسلامي، الذي بقي بعيداً عن سياسة المحاور، وسياسة المهادنة، أو التعاون مع الأميركيين وضد العمل المشترك مع حلفائهم في العالم العربي .





تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع