أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
أكثر فتكاً من " كوفيد -19" .. قلق كبير من تفشي الـ"h5n1" وانتقاله الى البشر 50 ألف مصل يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك زلزال يضرب غرب تركيا يديعوت أحرونوت: عائلات المختطفين تطالب بإقالة بن غفير وزير الاتصال الحكومي: لم نرصد خلال الساعات الماضية أية محاولات للاقتراب من سمائنا الأمن العام يؤكد على تجنب السلوكيات الخاطئة أثناء رحلات التنزه وفاة شاب عشريني غرقا خلال التنزه في الغور الشمالي وقفة احتجاجية للمطالبة بضرورة شمول كافة الطلبة بالمنح والقروض مجموعة السبع تعارض عملية رفح الصفدي: يجب أن تنتهي أعمال إسرائيل وإيران الانتقامية إصابة جنديين إسرائيليين خلال تبادل لإطلاق النار بمخيم نور شمس استطلاع: الإسرائيليون ما زالوا يفضلون غانتس لرئاسة الحكومة القاهرة تحذر من عواقب اتساع رقعة الصراع مصادر حكومية: إسرائيل لن تعلن رسميا مسؤوليتها عن الهجوم على إيران شركات الطيران تغير مسار رحلاتها بعد هجوم إسرائيل على إيران قائد بالجيش الإيراني: مسيرات صغيرة هاجمت أجواءنا صحيفة: إسرائيل أطلقت صواريخ بعيدة المدى على إيران إسرائيل نفذت ضربة ضد إيران في ساعة مبكرة الجمعة كاميرون: نعتقد أن خفض التصعيد أمر أساسي بايدن يحذر الإسرائيليين من مهاجمة حيفا بدل رفح
الصفحة الرئيسية عربي و دولي ثلاثي "ثقيل" يتنافسون لخلافة عباس...

ثلاثي "ثقيل" يتنافسون لخلافة عباس وصحفي إسرائيلي يكشف المستور

ثلاثي "ثقيل" يتنافسون لخلافة عباس وصحفي إسرائيلي يكشف المستور

04-05-2015 12:49 PM

زاد الاردن الاخباري -

رصد - أفردت مجلة “لبرال”، الإسرائيلية في عددها الأخير جزءاً كبيراً من صفحاتها لمناقشة سيناريوهات مستقبل السلطة الفلسطينية وفرص خلفاء رئيسها الحالى محمود عباس، ونشرت المجلة التى صدرت قبل 12 شهرا. تتميز برصانتها وتحقيقاتها ودراساتها الصحفية المعمقة، هذا التقرير الطويل بمناسبة بلوغ عباس سن الثمانين.


وفيما يلي نص التقرير الرئيسي للمجلة في عدد أبريل لمراسلها للشؤون الفلسطينية وللمهمات الخاصة أوهاد حيمو:

كلّ مَن تَجَوّل في شوارع رام الله في نهاية آذار الماضي، ما كان ليلاحظ أي شيء خارق للعادة. على أعمدة الكهرباء المنصوبة على طول الجادة الرئيسية المؤدية إلى ” المقاطعة” عُلقت بضع صور صغيرة للرئيس محمود عباس- أبو مازن، وهذا أمر اعتيادي. في المدخل الجنوبي للمدينة ما زالت تنتصب صورة كبيرة للرئيس عرفات. ويكتمل هذا المشهد برسومات ” غرافيتي” صغيرة على جدران المنازل- مرّة لمروان البرغوثي، ومرة للأخوين عوض الله، القياديين في الجناح العسكري لحركة حماس. ولو جاء غريب إلى هذا المكان، فلربمّا لن يعرف بالضبط مَن منهم الزعيم حقًا.

لا شيء في ديكورات رام الله أو في المضامين الصادرة عن وسائل الإعلام الفلسطينية- دلّت على أهمية التوقيت، السادس والعشرين من آذار، يوم الميلاد الثمانين لأبو مازن. ” هُنا يكمن الفارق الكبير بينه وبين الحكام الآخرين في الشرق الأوسط”- هكذا يخبرنا أحد سكان المدينة، ويضيف: ” حكم الفرد مشابه، لكن تمجيد الشخصية مختلف تمامًا- وهذا أمر محيّر”. لكن ثمة تشابهًا آخر يتمثل في سن الزعيم، الذي يزداد شيخوخة وهو في منصبه. ففي السّن التي يلجأ القادة والزعماء فيها إلى كتابة الذكريات والتقرّب إلى الأحفاد- ما زال أبو مازن نشطًا، حتى لو كان أقلّ حيوية. وهو يقضي جزءًا كبيرًا من وقته خارج البلاد، متجولاً بين العواصم، يتصادق مع القادة والزعماء، محاولاً تجنيد الدعم الممكن لإقامة الدولة. ورغم استخدام لقب ” الرئيس”، والأهمية التي يوليها للمكانة التي سيحتلها في كتب التاريخ، فثمة شك كبير في ما إذا كان هو نفسه يؤمن بأنه سيحقق النجاح حيثما فشل سَلَفُه عرفات- أن يصبح أول رئيس لدولة فلسطين. ففي نظره، هنالك عَقَبتان تعترضان طريقه: عامل السّن، وحكومة إسرائيل.
مرارًا وتكرارًا صرّح أبو مازن بأنه لن يرشح نفسه للانتخابات القادمة. يقال أنه قد تعب. ونحن بصدد تصريح خارق للعادة، فريد من نوعه في جوارنا المزدحم بالدكتاتوريات والممالك. لكن قبل أن تنبهروا بالديمقراطية الفلسطينية، يجدر بكم أن تتذكروا جملة من الحقائق: فمنذ عام 2007، وهو العام الذي وقع فيه الانقلاب في غزة- لم يلتئم البرلمان الفلسطيني ( المجلس التشريعي). وعلى الرغم من أن الدستور الفلسطيني ينص على حفظ صلاحيات الرئيس أبو مازن إلى حين إجراء الانتخابات، فإن التخويل الذي مُنح له كرئيس، ساري المفعول حتى كانون الثاني من العام 2009. وها قد مرت ستة أعوام بينما الرئيس يؤجل الانتخابات الرئاسية والنيابية بذرائع مختلفة. أحيانًا إسرائيل هي التي تحول دون إجراء انتخابات نزيهة، وفي أحيان أخرى حركة حماس هي التي تفعل ذلك، وتوصَف دومًا بأنها رافضة. المرة الأخيرة التي وعد فيها أبو مازن بإجراء الانتخابات في غضون ستة أشهر- كانت في حزيران عام 2014. أنه مجرّد وعد. لم يُلْق أحد بالاً لهذه المناورة المعتادة. ففي غياب الإرث الديمقراطي والضغط الشعبي، يبدو أن أبو مازن قد أدمن على حكم الفرد- بلا منافسين، وبلا معارضة.
ومؤخرًا اضطر أبو مازن إلى مواجهة موجة من الاتهامات العلنية التي وجهت إليه بشأن طابع السلطة الشمولية الذي تبنّاه، وبشأن استخدام الأجهزة الأمنية لترهيب منتقديه وخصومه. في عدد من المقالات وُصف بالدكتاتور، وهو أمر ليس بالسهل أبدًا في مكان تتقيّد فيه حرية الصحافة، ويُفترض أن تتوقف هذه الحرية عند رشق الرئيس بالانتقادات. وثمّة دليل آخر على طابع السلطة في رام الله يتمثل في حقيقة أنه طوال العقد الأخير، منذ تعيينه في منصبه، لم يقم أبو مازن بتحديد وريث له، ولم يقم بتنشئة أو تأهيل أية شخصية لهذا المنصب. بل على العكس. فكل من بَرز إلى جانبه، وبدا- أو أبدى نفسه كمرشح محتمل، أُزيح عن الدرب، ودُفع به نحو الهامش. وفي واقع يعيد إلى الأذهان أولئك الحكام العرب الدكتاتوريين التقليديين، لم يُسمح لأحد بالاقتراب من دفة القيادة أو السّعي إليها. وهذا ما جرى لسلام فياض. وكذا لمحمد دحلان. ويبدو أن أبو مازن لا يلقي بالاً إلى الفوضى وصراعات الوراثة التي يمكن أن تنشُب بُعيْد خروجه من الحلبة، وحتى لو فَعَل- فلا يبدو أن هذا ما يزعجه.
لكن هذا الأمر يزعج الآخرين، وخاصة قيادة السلطة التي تخشى من فراغ سلطوي ومن الفوضى التي يمكن أن تنشأ حين يتوقف الزعيم عن القيادة. فمؤخرًا أعلن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، محمود العالول، عن إقامة لجنة تهدف إلى النظر في الخلفية القانونية لتعيين نائب للرئيس الفلسطيني- وهو لقب يحمله أبو مازن منذ 2005. لكن تعيينًا كهذا يتطلب تعديلاً للقانون الأساسي، ولن يتأتى ذلك إلاّ بتصديق من المجلس التشريعي. لكن هذا المجلس، وهو على أية حال واقع تحت سيطرة حماس، وهي معارضة لدودة لأبو مازن. عُدنا إذن إلى نقطة البداية.
وفي غضون الأشهر القليلة المقبلة، يُفترض أن يلتئم في رام الله، بعد تأجيلات متكررة، المؤتمر العام السابع لحركة فتح، وهو أهم حدث سياسي على الإطلاق، كأنما هو أبهج استعراض في المدينة. موعد انعقاد المؤتمر لم يتحدد بعْد، وقد أرجئ مؤخرًا عدة مرات، ومن جُملة الأسباب تخوّف ” فتح” من أنصار محمد دحلان، الذي يعتبر نفسبه وريثًا مناسبًا تمّ تهميشه. خلال المؤتمر سيتم انتخاب أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، وهي القيادة العليا للحزب ( للحركة) الحاكم. لكن الاهتمام الأكبر سيتمحور حول المنصب الأكثر جذبًا- منصب الأمين العام للحركة. فالشخص الذي سيُنتخب لهذا المنصب سيصبح على ما يبدو مرشح الحركة لمنصب رئيس السلطة عندما يشغر- وهذه نقطة انطلاق ممتازة في الطريق إلى وراثة أبو مازن.
يجب وضع الأمور في نصابها. فمثلما هي الحال في كثير من القضايا الاجتماعية والسياسية في المجتمع الفلسطيني، فإن شرط الإنشغال في موضوع الوراثة- هو السّرية. فالتعاطي العلني مع لعبة الكراسي هو ضرب من المحظور ” طابو”، وكل من يجرؤ على التعاطي مع هذه المسألة- وكم بالحري إذا كان المتعاطي قد رشح نفسه للمنصب- فأنه يعرّض موقعه في السلطة للخطر، ويُنظر إليه تلقائيًا كمن يتحدى حكم أبو مازن. فمؤخرًا صرّح جبريل الرجوب، في مقابلة مع صحيفة ” القدس”، بأن كل من يجرؤ على الحديث عن بديل لأبو مازم” فهو عميل”. هكذا بالضبط. وعندما يكون مغزى الكلام على هذا النحو، فليس مفاجئًا أن موضوع البديل لم يُناقش بجدّية أبدًا، وأن جميع الأطراف في حيرة. فهيّا نحاول ترتيب الأمور.
الرائد في نظر قطر: جبريل الرجوب
لا يُعرف إلى أي مدى معروفة هي شخصية الداهية السياسية ” فرانك أندروود”، بطل مسلسل ” بيت من الورق”- بالنسبة لأهالي المناطق المحتلة. لكن كثيرين من كبار القادة في ” فتح” قادرون على تعليمه درسًا أو درسين في أحكام الخبث والدهاء. فمنذ شهور تجري تحت السطح حرب هادئة وتحضيرات استباقية، بما في ذلك تنحية مقرّبين، وإقصاء مرشحين محتملين.
وإحدى الشخصيات اللافتة والمتنفذة في فتح، هو جبريل الرجوب (62 عامًا)، رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم. حاليًا، لا يفوّت المقربون من هذا القائد السابق للأمن الوقائي، الذي أُبعد عن مراكز النفوذ في السلطة الفلسطينية- أية فرصة لنفي نيته في المنافسة على المنصب. لكن أمرًا واحدًا لا جدال فيه- وهو أن الرجوب يحرص على البقاء قريبًا.
مؤخرًا نُشرت سلسلة وثائق مصدرها وزارة خارجية قطر، تفيد بأن الإمارة ( قطر) منحت رعايتها للرجوب ( ” أبو رامي”) بصفته واحدًا من المتنافسين على المنصب. وطبقًا لما نُشر، جرى قبل عام لقاء بين الرجوب والشيخ تميم، أمير قطر، للنظر في فكرة طرحها الأمريكيون تحديدًا، مؤداها إقامة مثلث قيادي فلسطيني، يكون الرجوب أحد أضلاعه. واستنادًا إلى ما نشرته صحيفة ” الأخبار” اللبنانية، ففي هذا اللقاء، الذي خاطب فيه الشيخ تميم جبريل الرجوب بعبارة ” سيدي الرئيس”- رسم الاثنان خطة لتحقيق هذه النبّوءة، وإحلال الرجوب في المنصب ” بعد رحيل أبو مازن إلى جنات الخلود”- على حد تعبير الشيخ. وبالطبع، فشلت محاولات الرجوب إخفاء أمر اللقاء عن وسائل الإعلام.
يحظى الرجوب بتفوق بارز، فبالإضافة إلى الرعاية القطرية المفتَرَضة، كما ويروي المقربون منه، أن قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وخاصة الشرطة والأمن الوقائي، ما زالوا حتى اليوم يحرصون على تزويده بالبلاغات والبيانات، وعلى التشاور معه في كل أمر. هكذا تكون الحال عندما يكون قسم كبير من كبار قادة الأجهزة مدينين له بالفضل.
والأمر الآخر الذي يمكن أن يستعين الرجوب به، هو علاقاته الطيبة مع خالد مشعل وعبد السلام هنية، وهو نجل اسماعيل هنية، نائب مشعل في الدائرة السياسية لحركة حماس- وذلك بحكم منصبه كنائب لرئيس اتحاد الكرة في غزة. العلاقات الطيبة مع حماس يمكن أن تفيد، لا سيّما وأن شقيق الرجوب، نايف، هو شخصية معروفة في أوساط حماس بالخليل، وقد كان نائبًا عن الحركة في المجلس التشريعي. وحتى لو كان مشكوكًا بصحة وصدقية هذه الوثائق، فإن مغزى الكلام واضح: ففي رام الله يُشار إلى الرجوب كمرشح قوي وذي حظوظ، ومن جملة المؤشرات لذلك- النفوذ الذي يحظى به في هيئات ومؤسسات حركة فتح. فهو أفلح في أن يكوّن من حوله مجموعة كبيرة من الأنصار في اللجنة المركزية، حيث يشغل منصب نائب الأمين العام. وعند اللزوم يفترض أن يكون هؤلاء الأنصار أول وأكثر من يقوم بالواجب لكي يفوز الرجوب بالمنصب المنشود.
الثنائي الباهت: قريع واشتيا
الشخصية الأخرى التي يُحتمل أن تترشح للرئاسة من جهة فتح- هو أحمد قريع ( أبو علاء). لكن تعيينًا كهذا قد يتبيّن أنه ” هدف ذاتي”. إذ يصعب على كثير من الفلسطينيين أن يروا مرشحًا خالي الأفق، لا يحمل أية بشرى، من شاكلة قريع. فهذا الرجل المنتمي إلى الحرس القديم، رئيس الحكومة الأسبق، البالغ من العمر (78) عامًا- هو ممثل السياسة القديمة. وهو عضو دائم في طواقم المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل. وفي نظر كثيرين من الفلسطينيين، كان أبناء هذا الجيل يُعتبرون، وما زالوا،غرباء، منفصلين عن الواقع، ومتكبرين. أو كأنهم لا يتفهمون، أو لا يريدون أن يتفهموا احتياجات المواطن البسيط. في المناطق المحتلة يُسمّى أمثال هذا الرجل ” التّوانسة”، أي تلك المجموعة التي كانت تحيط بعرفات، وقد فُرضت على القيادة، وخلقت إرثًا نتنًا من الفساد والتعفّن. لكن الأمر المفاجئ ربما، أن قريع أصبح محسوبًا في المناطق المحتلة على أنصار الدولة الثنائية القومية. ففي السنوات الأخيرة أدلى بعدة تصريحات داعمًا إعادة النظر في عملية السلام، التي وصفها بأنها ” لم يتبق منها سوى اسمها”- على حد تعبيره، داعيًا الفلسطينيين إلى فحص جدي لإمكانية إيجاد بديل حقيقي يتثمل في دولة واحدة ما بين البحر والنهر.
وثمة شخصية بارزة أخرى في ” فتح”، تكاد لا تكون معروفة لدى الشعب الإسرائيلي، هو محمد شتية ( 57 عامًًا). وهو خبير بالاقتصاد، حائز على لقب الدكتوراه من جامعة ” ساسكس”. وهو يرئس حاليًا صندوقًا للتنمية والاستثمار، ما يضعه في موقع متنفذ في الاقتصاد الفلسطيني. وفي الماضي كان ” شتيا” عضوًا في طاقم المفاوضات مع إسرائيل. والأمر الذي من شأنه أن يساعده في مساعيه للمنافسة على منصب الرئاسة- هو الخلفية التي يستند إليها، وهي خلفية مؤثرة، بالنظر إلى الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعصف بالسلطة الفلسطينية. ومن بين المؤشرات الدالة على مساعيه لتهيئة الأرضية الداعمة له في ” فتح”- كثرة التصريحات المتشددة اللاذعة التي أدلى بها مؤخرًا، مهاجمًا إسرائيل بشدة. فالطريق إلى أذهان وقلوب المصوتين، أو هكذا يبدو، تتأتى عبر التصريحات المناهضة لإسرائيل، الهادفة إلى تشنيف آذان المتشددين. ولو كان الأمر منوطًا بقيادة فتح وحدها، فهنا في هذه النقطة كان يمكن أن تنتهي عملية الاختيار والتعيين، ولكان واحد من بين الثلاثة يفوز، على ما يبدو، بالمنصب. لكن الدراما الآن، ليست إلاَ في بدايتها.
المختار القابع خلف القضبان: مروان البرغوثي
الداخل إلى رام الله عن طريق حاجز قلندية، بوابة الدخول الرئيسية إلى العاصمة الاقتصادية والسياسية الفلسطينية، لا بدّ أن يرى المشهد التالي: رسمين ضخمين بالغرافيتي على الجدار العازل. أحدهما لياسر عرفات، وإلى جانبه ( رسم) مروان البرغوثي. المغزى واضح: الرئيس ووريثه.
مثل ردّ فعل تلقائي، يُطرح اسم مروان البرغوثي كمرشح للرئاسة الفلسطينية منذ أكثر من عقد. هذا الرجل الذي كان قائدًا للتنظيم، الجناح العسكري لحركة فتح، وأدين خلال الانتفاضة الثانية بسلسلة من العمليات الإرهابية وقتل إسرائيليين- يقضي حاليًا خمسة أحكام تراكمية بالسجن المؤبد. وعلى مدى سنوات حاول أنصار هذا السجين الأمني الأكثر شهرة صنع صورة له، تجعله ” نلسون مانديلا” الفلسطيني، وطالبوا بتعيينه، في الظرف المواتي، رئيسًا للسلطة الفلسطينية. ومنطق الفكرة بسيط: في مثل هذه الحالة، ستشعر إسرائيل بالحرج، وتضطر للإفراج عنه، وإذا ما أصرّت على إبقائه في السجن، فإن الثمن الذي ستتكبده سمعتها سيكون باهظًا إلى أبعد حدّ. وطوال سنوات أتّبع البرغوثي مسارًا عقلانيًا رصينًا على خلفية المواجهة بين فتح وحماس، وحاول عدة مرات التوسط بين الحركتين، مستغلاً علاقاته الشخصية الطيبة مع قياديين في حماس. وبالمقابل، يبدو أنه فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل، فإن البرغوثي قد واظب على اتباع خط متشدد. ففي السنوات الأخيرة دعا أكثر من مرة إلى مواصلة الكفاح ( المسلح أيضًا) ضد إسرائيل، وضد الاحتلال. ومؤخرًا أصدر بيانًا يدعو السلطة فيه إلى معارضة التطبيع مع إسرائيل، والتوقف عن التنسيق الأمني.
يستمد البرغوثي معظم قوته من شعبيته لدى الجماهير الفلسطينية. وعلى الرغم من كون استطلاعات الرأي التي تجري في المناطق الفلسطينية مشكوكًا في صدقيتها، إلى أبعد الحدود- إلا أن الصورة العامة واضحة: فالجماهير الفلسطينية، وخاصة في الضفة الغربية، تكنّ له التقدير، وتعتبره مرشحًا شرعيًا ومناسبًا لوراثة أبو مازن. وفي مجتمع يولي أهمية بالغة للرموز، فإن الأسير البرغوثي يحظى بأمجاد القائد والمقاتل من أجل الحرية. والأمر الذي لا يقلّ أهمية هو موقف البرغوثي نفسه، الذي صرّح في الماضي بأنه سيتنافس على المنصب. وفي حال عدم انتخاب البرغوثي من قِبل اللجنة المركزية في حركة فتح لمنصب الأمين العام ( وهذا ما سيحدث كما يبدو بسبب غيابه الطويل عن الساحة السياسية وعلاقاته المتعكرة مع قسم من أعضاء اللجنة) فمن المتوقع أن يحاول المنافسة على منصب رئيس السلطة كمرشح مستقل. بذلك تظهر أولى إشارات الإنشقاق في التنظيم الحاكم.
القائد المقيم في المنفى: محمد دحلان
التقينا مع ” أبو ماهر” ( اسم مستعار) في مخيم بلاطة للاجئين، مؤخرًا. هذا الرجل كان يُعرف كواحد من قادة ” كتائب الأقصى” في المخيم، تطارده الأجهزة الأمنية الفلسطينية منذ مدة طويلة. عندما دخلنا إلى منزله الكائن عند مدخل المخيم كان بانتظارنا في الصالون عشرة شبان، ممن شاركوا في الانتفاضة الثانية، وجميعهم في العشرينات من العمر. وقد وضعوا أسلحتهم، وغالبيتها بنادق كلاشنكوف، وبعضها رشاشات من طراز ” أم-16″- على مقربة لصيقة منهم. وتبين من الحديث أن جميع الحاضرين في الغرفة يُعتبرون في نظر السلطة الفلسطينية مطلوبين. بدا الشبان متعبين، وبعضهم كان يغلب عليه النعاس. ” هكذا هي الحال عندما تقوم بالحراسة طوال الليل، وتخوض المعارك بالرصاص مع العدو الذي يحاول التسلل إلى المخيم لاعتقالنا”- هذا ما رواه مضيفنا. نغمة الحديث الذي سمعناه في الغرفة كانت حادة وقاطعة وحازمة. وطوال الحديث أكد المتكلمون أنهم لن يستسلموا للعدو، بل سيقاتلون حتى تُلبى مطالبهم. والعدو، لمعلوميتكم، هو السلطة الفلسطينية، وعندما يتحدث نشطاء فتح، بهذا الشكل، عن توصيفات خالية من الإنسانية للأجهزة الأمنية الفلسطينية- فإن هذه حالة غريبة تتطلب تفسيرًا. وبالمناسبة، لم يتلفّظ أي من الحاضرين، بأية كلمة سيئة عن إسرائيل، طوال المحادثة.
منذ عدة أسابيع، والصّراع بين السلطة الفلسطينية وهؤلاء الشبان الفتحاويين- في ذروته، وخاصة في مخيمات اللاجئين الكائنة في شمالي الضفة. كل من يتم القبض عليه وتوقيفه، كما قيل لنا، قد يتعرض للتعذيب والتنكيل في سجون السلطة في اريحا وبيتونيا والظاهرية. ومن أجل قمع المسلحين في هذه المخيمات، أقامت السلطة قبل عام وحدة خاصة، أطلقت عليها، ويا للسخرية البالغة، تسمية ” الوحدة 101″ (الوحدة 101 هي تلك التي أقامها ارئيل شارون في مطلع الخمسينيات لمكافحة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وعرفت بعملياتها الوحشية التي طالت الكثير من المدنيين الأبرياء – المترجم). وما علاقة هذا بموضوع الوراثة؟ والجواب هو أن السلطة الفلسطينية على قناعة بأن هؤلاء الشبان، العاطلين عن العمل بعد الانتفاضة، قد تحولوا في السنوات الأخيرة إلى ما يشبه الميليشيات المسلحة، أو إلى جيش صغير موالٍ لشخص واحد- هو محمد دحلان. ووفقًا للتقديرات، فإن دحلان (54 عامًا)، يدفع مبالغ لا بأس بها لهؤلاء الشبان، ويموّلهم ويسلّحهم، وكل ذلك وصولاً إلى اللحظة المواتية- حين يتطلع إلى السيطرة على السلطة الفلسطينية.
يُطرح أسم دحلان في كل حديث عن الوراثة. والذي يوصف لدى قادة السلطة بأنه ” إلهة الانتقام” الحقيقي بالنسبة لأبو مازن، فهو لن يتورع عن فعل أي شيء، كما يقول معارفه، وهو في طريقه لتحقيق الهدف. هذا الرجل الذي سمي ” بشريف غزة”، ابن مخيم اللاجئين في خانيونس، كان قد طُرد من حركة فتح عام 2011، في أعقاب الاشتباه بقيامه بالتخطيط لانقلاب ضد أبو مازن. ومنذ ذلك الحين، ومن منفاه في دول الخليج، يحاول شق طريقه للعودة إلى القيادة ومخيمات اللاجئين في الضفة ليست وحدها المستفيدة من أموال هذا الرجل، فاستنادًا إلى الشائعات، يقوم دحلان بمنح أموال ضخمة لعشرات المخيمات الفلسطينية في لبنان، بالتعاون مع قيادات فتح فيها، وأحد أنصاره هو منير مقدح، قائد فتح في لبنان. ويروي لنا ” أبو ماهر” أن مقدح نفسه يساهم في بناء قوة دحلان في الضفة بواسطة مبعوثين ومؤيدين من طرفه.
وعودة إلى يناير كانون الثاني 2011. بدأت أجهزة الاتصال والهواتف بحمل الأخبار في ساعات الصباح الباكرة. التقارير الأولية كانت مبهمة متلعثمة، بل يمكن القول أنها هستيرية. قوات من المخابرات والشرطة الفلسطينية داهمت منزل دحلان في رام الله، واعتقلت عددًا من طاقم حراسه، وصادرت حواسيب وأسلحة وسيارات تابعة له. وفي الساعات الأولى اكتنف الغموض مصيره. وبعد بضع ساعات خرج عن طريق معبر ” اللنبي” على نهر الأردن، مغادرًا مناطق السلطة الفلسطينية. وإذا ما تحققت مخططاته، ففي المرة القادمة سيعود إلى هذه المناطق متجهًا نحو الرئاسة.
ومنذ تلك الحادثة، يخوض دحلان وأبو مازن مواجهة مستمرة، شهدت قبل سنة إنطلاقة دراماتيكية، وأصبحت حديث الساعة في المناطق الفلسطينية. هذه هي الحال حين يتعلق الأمر بحكاية تكتنفها كراهية متأججة، وصراع على النفوذ .
في خطاب ناريّ ألقاه أبو مازن أمام قادة فتح في رام الله، اتهم دحلان بقتل ستة قياديين في الحركة، وبأنه كان على علم بنوايا إسرائيل في اغتيال القيادي الحمساوي صلاح شحادة. وأرفق خطابه بتلميح غليظ عن تورط دحلان في اغتيال عرفات. من الصعب على شخصية سياسية أن تتمكن من تجاوز مثل هذه الاتهامات الصادرة عن أبو مازن- اللهم إلاّ دحلان. كذلك، اتُّخذ ضده إجراءين قضائيين: ففي العام الماضي صدر بحقه في محكمة رام الله حكم غيابي بالسجن لمدة عامين، بسبب إهانته لمؤسسات الدولة. وبالمقابل، تجري محاكمته بتهمة سرقة (17) مليون دولار من الأموال العامة، وفقًا للائحة الاتهام.
ولم يتخلّف دحلان عن الرد: ففي مقابلة تلفزيونية مثيرة، كانت أشبه بخليط من المرافعة والاتهام المعلّل، وصف دحلان الرئيس أبو مازن بأنه ” كارثة على الشعب الفلسطيني”، ووصفه سويةً مع نجليه بأنهم عصابة من اللصوص واتهمهم بالفساد. وتبادل الرجلان الاتهامات أيضًا حول الخطيئة التي لا تُغتفر، وهي التنازلات الهائلة لإسرائيل في المفاوضات ( والانعطاف نحو اليمين قبل المنافسة، يجلب المنفعة، كما هو معروف).
وكرّد فعل، قام أنصار أبو مازن بإحراق صور دحلان خلال مظاهرات مفتعلة في رام الله، وداسوها بالأقدام. وهنا يكمن ضعف دحلان حقًا. فقواعد قوته كائنة في غزة، فهناك نشأ، ومن هناك أدار جهاز الأمن الوقائي في القطاع. ولعلّ محاولات هذا الرجل الذي كُنّي أكثر من مرة بأنه ” سيد غزة”، للولوج إلى الضفة- ليست سهلة، وهو يصطدم بالعقبات، خاصة وأن ما يعيبُه هو ذلك الفشل الذريع- سقوط غزة بأيدي حماس، وقد سُجّل هذا الفشل باسمه، وحمل بصماته.
لكن شخصًا مثل دحلان لا يستسلم ولا يتراجع. فمن منفاه فعل كل ما يجيد فعله: إنشاء علاقات شخصية، واجتذاب كل من يستطيع دعمه. علاقاته مع حكام الخليج توطدت. ومن بين ما قام به أنه أصبح مستشارًا أمنيًا لوليّ العهد في أبو ظبي، في مكافحة التطرف الإسلامي. وفي القاهرة أيضًا يتحدثون عن توطيد العلاقات بين قيادات النظام في مصر، وخاصة الجنرال السيسي، ودحلان. فعلى سبيل المثال، منح السيسي دحلان الفضل في فتح معبر رفح في كانون الثاني الماضي، بعد أن تم إغلاقه في أعقاب العملية التي وقعت في سيناء وأسفرت عن مقتل (33) شرطيًا مصريًا. وبالنسبة لمليون و (800) ألف مواطن في غزة، فإن مثل هذا الأمر ليس بالأمر العابر، لا سيما وأن السيسي التقى بدحلان من خلف ظهر أبو مازن، بصفته الممثل الحقيقي للقطاع. وعلى ضوء ما تَقدّم، تشير التقديرات الأن إلى أن مصر تعتبر دحلان بديلاً مقبولاً لأبو مازن.
وبموازاة ذلك، وجد دحلان، بسهولة، يمكن القول، شركاء محتَمَلين لصراعه مع أبو مازن، داخل قطاع غزة. ولا بأس إذا ما كان هذا الشريك في الماضي القريب يعتبره عدوًا لدودًا يستحق الموت، وكثيرون في غزة تساءلوا باستهجان عن هذا الغزل بين خصوم الماضي، لكن عندما يكون القاسم المشترك هو تلك الكراهية تجاه الطرفين من الحاكم في رام الله، مضافًا إليها فرضيّة حماس القائلة بأن دحلان القوي يُضعف أبو مازن- عندها يمكن التغلب على الغثيان. فعلى سبيل المثال، سمحت حركة حماس للألاف من أنصار دحلان، المنبوذين في غزة في السنوات الأخيرة- بأن يرفعوا صوره باعتزاز خلال مظاهرة في غزة ضد أبو مازن، كما أن جامعة الأزهر في غزة تحولت إلى بؤرة مواجهات بين المعسكرين: فتحت جنح الظلام قام أنصار دحلان بتعليق صور تسخر من أبو مازن وتتهكم عليه، وتظهره كخائن. وفي ظهيرة نفس اليوم جرت مواجهات في الحرم الجامعي، حيث قام أنصار دحلان بضرب أنصار أبو مازن، ضربًا مبرحًا. وتسمح حماس لدحلان بالمشاركة في إعادة إعمار غزة بعد حملة ” الجرف الصامد” وبصرف أموال مصْدرُها من دولة الإمارات المتحدة- الأمر الذي يزيد من شعبيته في غزة. وسمحت حماس لزوجة دحلان ( جليلة) بالعودة إلى غزة بعد غياب دام سبع سنوات. وقد شوهدت في الأشهر الأخيرة تتجول حاملة حقيبة مملوءة بالأموال الخليجية، توزعها على الناس، عملاً بنظرية زوجها بخصوص المشردين الذين فقدوا المأوى خلال حملة ” الجرف الصامد”. وكان الأمر المفاجئ في هذا المشهد، هوية الحراس الذين رافقوا السيدة ” جليلة”، ولعلمكم- فهم من حماس. غريبة هي دروب السياسة، وفي حالة دحلان، فهذه الدروب مشوقة!
في طريقه إلى المنصب وإلى قلب الناخب الفلسطيني، سيضطر دحلان إلى تخطي عقبات كثيرة. إحدى هذه العقبات تتمثل بالشبهات والريبة التي تعتري اسمه بخصوص العلاقات الوثيقة التي أنشأها ( وثمة من يرى أن هذه العلاقات وثيقة زيادة عن اللزوم)- مع إسرائيل والولايات المتحدة. وبالإضافة لذلك، سيكتشف دحلان أنه ليس من السهل منافسة رئيس متنفذ، ما زال في الحكم، سيبذل كل جهد مستطاع من أجل تجنّب احتمال حلوله بديلاً له في منصب الرئاسة.
وجوابًا على التساؤلات الراهنة حول وُجهة دحلان، جاءت المقابلة التي أجرتها معه قبل شهر مجلة ” نيوزويك”، في مقره في أبو ظبي، حيث صرح بأنه جاهز ومستعد ليكون الرئيس الفلسطيني القادم، لكن في الدرب عقبة ” طفيفة”، تتمثل في كوْن احتمال توصية مؤسسات حركة ” فتح” بأن يكون دحلان بديلا لأبو مازن- أقرب إلى الصفر. ومثلما هي الحال بالنسبة للبرغوثي، لن يبقى أمام دحلان من مناص سوى أن يطرح نفسه كمرشح مستقل.
وهكذا تكون حركة فتح قد انقسمت إلى ثلاثة أقسام. وإذا حصل هذا فعلاً، وإذا أدت صراعات القوى إلى إضعاف الحركة وتفتيتها لتتحول إلى عدة معسكرات- فليس من المستبعد أن يخرج من هنا منتصر واحد كبير.
التكنوقراط: سلام فياض
يبدو هذا الرجل كموظف مغمور، يعاني بالأساس من نواقص: في الكاريزما، وفي مَواطن القوة، وفي شعبيته، وكذلك في السيرة الأمنية في مجمل سيرته. سلام فياض (63 عامًا) هو بمثابة ” اللاّ بَطل” في الساحة السياسية الفلسطينية. لكن أمرًا واحدًا يعوّضه عن كل ما تقدم: فقد أمضى ست سنوات رئيسًا للحكومة، وهي مدة فيها الكفاية ليصبح صاحب البصمة على الثورة التي أحدثها ويشعر بنتائجها كل فلسطيني في المناطق، بهذا الشكل أو ذاك: الحرب على الفساد ومن أجل الشفافية والإدارة السليمة. لكن على الرغم من التجربة الغنية التي اكتسبها، ومن مصاحبته لأبو مازن- فقد خانه لسانه. كان ذلك في مقابلة أجريت معه عام 2012، وقال فيها أنه ربما يكون وريثًا لأبو مازن. كان ذلك قولاً زائدًا عن الحد. وكان المؤشر الأساسي على تغيّر مكانته وموقعه في الحلبة السياسية الفلسطينية، أن أبو مازن صَرَفه خارجًا، وفقًا لنهجه القاضي بإبعاد كل شخص يُراكم قوة ونفوذًا زائدين عن الحدّ. وفي محيط ” المقاطعة”، بالمقابل، دار همس يفيد بأن السبب الحقيقي لإقالته، يكمن في الرقابة الشديدة التي فرضها فياض على الميزانية، وفي الحرب التي أعلنها ضد الفساد والتعيينات السياسية.
خلال عهده ثابر فياض على الحضور في الميدان، بين الناس. وعلى عكس مسؤولين آخرين قابعين في مكاتبهم، في أحسن الأحوال، أو المتنقلين بين أقطار الدنيا، من مؤتمر إلى آخر- فقد واظب فياض على المشاركة دومًا في المظاهرات المناهضة للجدار العازل، وأصبح اسمه مقرونًا بالنضال ضد إسرائيل في مناطق ” سي”. سكان المناطق يذكرونه بالخير في هذا السياق.
ومنذ تنحيته عن منصبه قبل عامين، غيّر فياض تكتيكه، فقد غاب تمامًا عن المشهد السياسي، وعوضًا عن ذلك راح يركز جهوده في تنظيم مدنيّ يسمّى “المستقبل لفلسطين” (Future For Palestine)، ويُعنى بالتنمية وتطوير الخدمات في غزة والضفة. وتُوجّه إلى هذا التنظيم الذي يترأسه، انتقادات كثيرة من المحيط القريب، وخاصة من رجالات فتح والسلطة الفلسطينية، بسبب الأموال التي جنّدها والروابط الممتازة التي أنشأها مع الدول المانحة. ويُعتقد أن هذه القوة المتراكمة، تشكل الأداة التي يسعى فياض بواسطتها في السنتين الأخيرتين إلى زيادة نفوذه وشعبيته في المناطق الفلسطينية. ومما يشهد على التذمر الحاصل في السلطة تجاه فياض، أن الأمن الوقائي- ” الشاباك” الفلسطيني- قام خلال حملة ” الجرف الصامد” بفتح تحقيق حول شبهات بالإدارة غير السليمة للتنظيم المذكور. ويسود الاعتقادات في المناطق الفلسطينية بأن هذه التحقيقات كانت بمثابة محاولة للتخويف والترهيب.
وليس من المستبعد قطعًا، أن يثبت ذلك الرجل الذي يعاني من مشكلة تصويره كتكنوقراط- أن قوته في ضعفه. ولعلّ حقيقة كونه لم يكتسب عددًا زائدًا من الأعداء، وكونه يبدو باهتًا لا يشكل تهديدًا على أحد، ومقبولاً لدى قسم كبير من القوى السياسية الفلسطينية- لعل ذلك يُحسَب لصالحه. ومن المحتمل أن يحظى بثقة حماس، التي تفضل أي مرشح مستقل وجدّي، قابل للتعاطي معه- لكونه أفضل من مرشحي الحركة المنافسة- حركة فتح. هذا بالإضافة إلى سمعته وصورته العامة بين الناس كإنسان نظيف اليد، يتبع أجندة مكافحة الفساد وتقديم الدعم الاقتصادي للمواطنين. وهنالك عامل آخر، لا يقل أهمية: ففي السنوات الأخيرة، عمل فياض، ربيب الأمريكيين المدلل، على تسويق نفسه لإشغال وظيفة في إسرائيل والولايات المتحدة.
ورويدًا رويدًا، بدأ يرتبط بعلاقات طيبة مع الجيران في مصر والسعودية ودول الخليج، فحتى لو لم تنصّبه العلاقات مع هذه البلدان زعيمًا قادمًا- فإن دعمها له سيكون عاملاً حاسمًا بالنسبة له.
الشخصية الأمنيّة التي ستفاجئ الجميع، ماجد فرج
وفيما يلي شخصية أخرى أضيفت مؤخرًا إلى ” بورصة الأسماء”، وقوتها في تصاعد. أنه ماجد فراج ( 62 عامًا)، الذي لا يعرف معظم الإسرائيليين عنه شيئًا، بعكس الفلسطينيين والأمريكيين والمصريين وقادة المنظومة الأمنية في إسرائيل. ومنذ عام 2009 يشغل ماجد فرج منصب رئيس جهاز المخابرات العامة في الضفة، وهو الرئيس الرابع لهذا الجهاز منذ تأسيس السلطة الفلسطينية، وهو بلا شك أكثر المحيطين بالرئيس عباس راحةً وتعاونًا من حيث التعامل. ويُعتبر الأعلى مرتبة من بين الشخصيات الأمنية التي ربما ستتنافس على الرئاسة.
وفي سجلّ سيرة هذا الرجل عدة عوامل تفوّق تُعينه في الصراع القادم على وراثة عباس.
ويُعتبر فراج، وهو ابن لأسرة من اللاجئين في مخيم ” الدهيشة” المجاور لبيت لحم- أحد القادة السابقين لشبيبة فتح، وأحد قادة الانتفاضة الأولى. وعلى مدى السنوات الماضية تعرض للاعتقال في السجون الإسرائيلية (15) مرة، وقضى فيها بالمجمل ست سنوات، وكان والده قد قتل خلال حملة ” الجدار الواقي” في بيت لحم (الانتفاضة الثانية). وبدأ نجمه بالصعود تحت قيادة جبريل الرجوب بالذات، حين تم تعيينه قائدًا للأمن الوقائي في ألوية مختلفة بالضفة. ورويدًا رويدًا، وبفضل إخلاصه وكفاءته في العمل، بدأ يتقرب من ” أبو مازن” إلى أن عُيّن في منصبه الراهن، وكان يُعتبر اليد اليُمنى للرئيس خلال الحرب الشعواء التي أعلنتها السلطة على حماس في العقد الماضي. وبعد الانقلاب في غزة، وإدراك المسؤولين في رام الله بأنهم إذا لم يحسنوا التصرف فسيرفع علم حماس الأخضر فوق مبنى ” المقاطعة”- يومها قاد فرج الحرب على حماس، ولم يتورع رجاله عن فعل أي شيء في هذه الحرب، فاعتقلوا مئات الناشطين في الحركة، وداهموا المساجد وجمّدوا الأموال. وإضافة لذلك يعتبر ماجد فراج عنصرًا رئيسيًا في محاربة الفوضى في مناطق السلطة، ويُحسب لصالحه أنه قضى على مظاهر الانفلات، حتى في صفوف العناصر المتمردة داخل حركة فتح، ممّن تحدّوا السلطة.
وإذا كانت لفراج طموحات ومطامع سياسية، فلا شك أن وسام الشرف الذي منحته إياه وكالة المخابرات الأمريكية ( CIA) عام 2013- سيفيده ولن يضيره. وكان فرج فاز بهذا التقدير الأمريكي، في أعقاب قيامه بتسليم معلومات استخبارية للوكالة، أدت إلى القبض على أحد كبار قادة تنظيم ” القاعدة”، هو أبو أنس الليبي، الذي نسبت إليه شبهات من بينها التخطيط لأعمال إرهابية ضخمة ضد أهداف إسرائيلية وأمريكية. ونظرًا لذلك احتفظ الأمريكيون بكثير من التقدير لفرج. ويقال أنه أنشأ علاقات عمل جيدة مع نظرائه عبر المحيط. وبصفته واحدًا من المتطلعين، ربما للحلول في منصب الرئاسة الفلسطينية- فإن ما تقدّم يساعده كثيرًا جدًا.
وثمة أفضلية أخرى في صالحه، وهي علاقاته الطيبة مع قادة المنظومة الأمنية في إسرائيل. فحتى في الأيام الصعبة التي شهدت انهيارًا في العلاقات، حتى الحضيض- واظب ماجد فراج على الاحتفاظ بقنوات تواصل وحوار مع نظرائه في إسرائيل، الذين رأوا فيه مسؤولاً قابلاً للتعاطي. ومما يُحسب لصالحه أيضًا أنّ جهاز المخابرات العامة الفلسطيني بقيادته، يحقق الهدوء ويدير حربًا لا هوادة فيها ضد الإرهاب. ومؤخرًا طرح اسمه في وسائل الإعلام، بصفته واحدًا من مبعوثي أبو مازن لمفاوضات المصالحة مع حماس- في القاهرة.
لكن بموازاة هذه المناقب، يبرز ضعفه الأساسي المتمثل في افتقاره إلى قوة سياسية داخل حركة فتح، بالإضافة لافتقاره إلى قواعد شعبه داعمة في المجتمع الفلسطيني. ويقول مريدوه أنه يتحلى بمرونة زائدة عن الحد، ولا يتحلى بالكاريزما الكافية، وهو ليس مجبولاً من طينة الزعامات القادرة على قيادة شعبية نحو الاستقلال. وفراج ليس رمزًا بقامة البرغوثي، وليس ذا ثروة ومطامح مثل دحلان!
خاتمة الكلام
في هذه المرحلة يصعب تقدير احتمالات النجاح بانتخاب رئيس فلسطيني بديل- بشكل سلس، وليس من المستبعد أن توقع صراعات الوراثة ضحايا سياسيين، وأن تؤدي لانقسامات في حركة فتح، وإضعاف مؤسسة الرئاسة، ذلك أن غياب مرشح طبيعي وتوافقي تجعل المسألة برمتها تحديًا هائلاً، خاصة للسلطة الفلسطينية. فبعد عرفات، الرئيس العقائدي والرمز، الذي رسخ نظرية إقامة الدولة الفلسطينية بواسطة الكفاح المسلح، بينما خليفته أبو مازن، يناهض بشدة هذا الأسلوب من الكفاح الذي أوصل الفلسطينيين إلى باب مسدود مع إسرائيل، لكنه هيّأ الأرضية للتنازلات المتبادلة في المستقبل- بعد هذا كله، تبدو هوية الوريث، مسألة حاسمة.
ربما يكون هذا الوريث شخصية مولودة في الأراضي الفلسطينية، وربما يجيد اللغة العبرية ويعرف عنا نحن الإسرائيليين أمورًا أكثر مما عرف سابقاه. عليه أن يكون شخصية وسطية تجيد اتخاذ القرارات الصعبة، وفي نفس الوقت أن يُنظر إليه كشخصية وطنية لا تخضع للاملاءات الإسرائيلية. ربما تكون هذه مسألة تستغرق بضع سنوات، أو ربما غدًا، في ظروف تراجيدية مأساوية، أو بدافع الشعور باستنفاد الطاقة أو الرغبة في الاستقالة، لكن أمرًا واحدًا يبقى واضحًا، وهو أن هوية الرئيس الثالث بالغة الأهمية بالنسبة للفلسطينيين، فهو سيكون تلك الشخصية التي يتطلع إليها (11) مليون فلسطيني، في الداخل والخارج، آملين أن يقودهم نحو دولة مستقلة.
محمود عباس (” أبو مازن”)
* ولد عام 1935، في صفد
* ترعرع في صفد، ثم في سوريا بعد عام 1948، وبعد ذلك هاجر إلى قطر.
* كان من ضمن مؤسسي حركة ” فتح”، إلى جانب ياسر عرفات، في أواخر سنوات الخمسين.
* في سنوات الثمانين كان مسؤولاً عن ” ملف الخارجية” في منظمة التحرير الفلسطينية.
* عام 1996 بدأ يشغل منصب الأمين العام لمنظمة التحرير الفلسطينية.
* منذ العام 2005 وهو يشغل منصب الرئيس الثاني للسلطة الفلسطينية.

(*) “لبرال”، هي مجلة شهرية حديثة العهد. صدرت قبل 12 شهرا. تتميز برصانتها وتحقيقاتها ودراساتها الصحفية المعمقة. هذا التقرير نشر في عددها الأخير (نيسان 2015)على 10 صفحات، وكان المادة الأساسية في المجلة.
(**) الصحفي أوهاد حيمو: عمل حيمو كراصد في قسم الشؤون العربية في القناة الأولى للتلفزيون الإسرائيلي، بصفة مساعد لمحلّل الشؤون العربية في القناة- عوديد غرانوت. وفي العام 2004، تم تعيينه مراسلاً للقناة الأولى للشؤون الفلسطينية. ثم ملااسلا لصحيفة “هآرتس”. وفي وقت لاحق انتقل للعمل مراسلاً للقناة العاشرة، للشؤون الفلسطينية أيضًا. وفي العام 2009 بدأ عمله في شركة الأخبار التابعة للقناة الثانية مراسلاً لشؤون المناطق الفلسطينية والاستيطان، بدلاً من الصحفيين سليمان الشافعي ويورام بينور، اللذين أنهيا عملهما في القناة. وهو اليوم مراسل للشؤون الفلسطينية وكذلك للمهمات الخاصة في القناة. حيمو حائز على اللقب الثاني من الجامعة العبرية بالقدس في موضوع الاستشراق، وهو من سكان تل أبيب.





تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع