عندما يلقي مجنون حجر في بئر للماء يجلس على حافة البئر مئات الاشخاص وهم يتداولون ويبحثون عن الطريقة الأفضل لإخراج هذا الحجر من البئر، وعندها تخرج الاف الأفكار وتؤدى كذلك مئات المحاولات لتنفيذ بعض من هذه الأفكار ، والنتيجة أن الحجر مستقرا في قاع البئر والمجنون يراقب هؤلاء الأشخاص وهم يحاولون إخراج حجره من البئر .
وأثناء تلك المحاولات والمشاهدات يخرج من بين هؤلاء الأشخاص طفل ويتجه نحو المجنون الذي إتخذ من تلة تعلو البئر مكانا للجلوس ، وهو يتمغط ويمد قدم ويثني أخرى ويبحث بين شاليشه عن قملة قرصت جلدة رأسه ، ويوجه له الطفل سؤال " طفوليا " عن سبب قيامه بإلقاء ذلك الحجر في البئر ، ويجيبه وهو يهرس القملة التي خرجت أخيرا بين اصابعه ؛ انه مجرد حجر تعثرت به مئات المرات وفي كل مرة تنزف قدمي دما ، واطوف الحارة بحثا عن قطعة قماش والقليل من المطهر ولااجد مجيب .
وفي أخر مرة تعثرت بالحجر كسر إصبع قدمي الكبير ونزف دما ، وعند ذهابي إلى مجبر الحارة قال أنني مجنون ولا أعرف الفرق بين كسر العظم والرضة، وانه عند خروج الدم من الإصابة يكون مؤشر خير وليس مؤشر شر ، ونمت تلك الليلة وانا متألم جدا وصراخي وصل لأطراف الحارة ولم يفكر أحد من هؤلاء المجتمعين عن فتحة البئر بأن يأتي الي ويسألني ما الذي يؤلمني .
واليوم وعندما ألقيت ذلك الحجر في البئر وعكرة صفاء ماء شربهم اجتمعوا جميعا حول فتحة بئر لاتتجاوز مساحتها النصف متر ، وجميعهم يفكرون ويطرحون مبادرات وافكار لإخراج الحجر من البئر ، وأنا جالس على التل ابحث عن القمل في رأسي وكلما وجدت واحدة أهرسها بأصبعي وأقوم بعدها ، والى الأن اخرجت مائة قملة والله أعلم كم سأخرج من القمل وهم جالسون حول فتحة البئر .. من المجنون هنا أنا أم هم ؟ ، وهذا هو حال ما يدور في وطننا العربي الكبير والاختلاف يكمن هنا في أننا الى الأن لم نعثر على ذلك المجنون الذي ألقى بالحجر في بئرنا وعكر صفاء ماءه ؟ .