خلال أقل من دقيقة وبكبسة إصبع تجد نفسك أمام ماكنات الإعلام العربية التي تغطي " عاصفة الحزم " ، وهي ماكنة تعمل بقوة المال والسياسة اللذان في نهاية الأمر هما من يقود المعركة على الأصعدة النفسية والعسكرية ، وعند القفز بين وسائل الإعلام المرئية لأطراف المعركة خلال نشرات الأخبار الرئيسية تجدأن كل طرف يحدد لنفسه حجم الانتصار المرحلي وفي نفس الوقت والاسباب التي أدت الى نشوب تلك الحرب .
وعند مقارنة التغطية التي تحصدها تلك العاصفة مع ما تم اغطيته خلال الأعوام الماضية لعاصفة الجفاف العربي " الربيع الأسود " ، تبرز أولا الحرفية العالية في استخدام الصور من أرض المعركة وبواسطة الطائرات ، والاستخدام الانتقائي للمحللين السياسين والعسكريين من قبل طرفي " العاصفة " ، ويضاف الى ذلك عقد المؤتمرات الصحفية على مدار الساعة لإعطاء المزيد من المصداقية من قبل الطرفين كل وحسب وجهة نظره فيها ، التأكيد على عدم إحداث أي تغيير بصورة المتحدثين الرئيسين بأسم المعركة لكل طرف ، وذلك للإبقاء على تلك الصورة في ذهن المشاهد واعطاء المشهد مصداقية عالية .
وتمثل عملية التنقل بين تلك الوسائل الإعلامية حالة من الولاءات يتحقق من خلالها تحشيد سياسي وعقائدي ؛ يؤدي الى ترسيخ الاختلاف في الفكر العقائدي بين طرفي المعركة " عربيا " ، وهو الشيء الذي يؤدي الى سقوط كثيرا من المفاهيم من ذاكرة التاريخ وتصبح دون قيمة ملموسة على أرض الواقع العربي ، وهي في نفس الوقت تولد ذاتيا حالة من الفراغ الفكري في شقيه السياسي والعقائدي عند البعض من الجمهور ، وهو نفس الفراغ الذييصبح أرضا خصبة لفكرين لاثالث لهما ؛ الأول الفكر المتطرف عقائديا والمتمثل في فكر " داعش" ، والثاني فكر سلبي يجد من الخروج من " عاصفة العقيدة " تلك دون خسائر فكرية هو الشيء الأمثل ، وعندها يعطى كل من هذان الفكرين مبررا للظهور بقوة كتيارين فكريين في الزمن ، وهو نفس الزمن الذي تم اللعب فيه من قبل طرفي معركة " عاصفة الجزم " في بدايات عاصفة الجفاف" الربيع الأسود .