زاد الاردن الاخباري -
مضى وقت طويل، يمتد إلى بداية تسعينات القرن الماضي وأنا أجلس على (ركبة ونص) للإخوان المسلمين، وقيل عني صياد أو متصيد لأخطائهم (الكثيرة) وقيل أكثر من ذلك بكثير، لا يهم، المهم الحقيقة، وهي أنني وبعد اطلاع كاف ودراسة مستفيضة وتدقيق على حركة الإخوان ومنذ تأسيسها والدور الذي لعبته في مصر ثم في الأردن وفلسطين، ثم في كل مكان بعد ذلك، وجدت أن جماعة الإخوان المسلمين -وهذا اسم كبير لا يحق لهم إحتكاره وتشويهه- هم أشخاص ( ما عادوا ينتمون لنا) وضعوا لأنفسهم منهجا ودينا ونبيا وراحوا يقدسونها ويعبدونها وحدهم، ولا يختلفون بذلك عن أية حركة أو جماعة (مارقة) في التاريخ البشري، فساهموا بشكل كبير، بقصد ومن غير قصد، في إحداث شرخ عظيم في جدار هذه الأمة، بل وبلغ الصدع والتصدع الشخصية العربية والإسلامية، المتصدعة أصلا بفعل الأتراك العثمانيين والإستعمار الأجنبي.
في الأردن، يفرحون حين نتحدث عن الإخوان بهذه الطريقة، ولكنهم لم يحسبوا أن ذلك شكّل ويشكل فجوة كبيرة في إطار العمل السياسي ودائرته الأم، فإذا كانت ديمقراطية ونريدها ديمقراطية، فإن محاربة الإخوان واضعافهم وإخراجهم من الحقل يستلزم إحياء البدائل الناجعة المؤثرة ودفعها للعمل السياسي وللتنمية السياسية في صيغتها المعروفة البسيطة الخطية، بل وبذل الجهود، لدعم الفكر السياسي الآخر، سواء المعتدل أو غيره (أقول غيره لأنني أيضا لا اطيق اليسار) ولكن ما يحدث أن عموم الفكر السياسي والعمل الحزبي في الأردن هش وضعيف ومتهاو، وحتى اليمن المعتدل، فإنه أضعف من أن تأخذ بيده وتقويه، واليسار ليس له حضور، بل وما عاد أحد يقتنع بما لديهم من فكر وأفكار وبرامج، وعليه فهل نحن نريد ديمقراطية بدون ديمقراطيين !
أما إذا كانت عشائرية، حسب التركيبة السكانية، وطريقة التفكير، وحسب قانون الإنتخاب وحسب مجالس النواب التي رأيناها جميعا، فإن ذلك يستلزم أن يتم تعود الدولة إلى نقطة البداية، ويتم إعادة صياغة كل شيء ليتناسب ويتلائم كليا مع الواقع والحقيقة، وهناك دراسة علمية أجريتها حول ذلك تفيد بأن (الأردن سينجح بكل تأكيد لو لبس ثوبا يلائم مقاسه تماما).
ما يحدث، أن الجميع مغرم بالغموض، الجميع ديمقرطيون، والجميع عشائريون، والجميع لا يريدون الديمقراطية، والجميع لا يريدون العشائرية !! وكما قال عبدالرؤوف الروابدة ذات مرة، انفصام في 3 اتجاهات، وأزيد عليها واحدا ! فكيف تريدونها ديمقراطية واليمين إما متطرف وينتمي للخارج ويمول من جهات غير معروفة ويتبنى منهجا لتكسير عظام الدولة، وإما يمين ضعيف، أو وسط متهاو، وإما يسار ضائع ومشتت ومنتهي الصلاحية، وكلهم بدون دعم أو تمويل أو توجيه أو تنمية سياسية، وكيف تريدونها عشائرية وجميع القوانين والتشريعات تؤكد أنها ديمقراطية حتى النخاع ؟!؟
في دراستي وجدت، وهذه وجهة نظري الخاصة، أن العشائرية هي خلاصة الديمقراطية، ولكنها تحتاج إلى قليل من الصياغة لتتناسب مع الفكر المعاصر للدولة الحديثة.