يختلف الكثيرون في تحديد مفهوم متفق عليه للديمقراطية ، وهذا الاختلاف يأتي نتيجة للعديد من المتغيرات التي تحكم علاقات الشعوب مع انظمتها السياسية والتاريخ الذي تم الاستناد عليه بين مكونات تلك الدول ، ويضاف الى ذلك الأسس التي تم الاتفاق عليها بين الشعوب وتلك الأنظمة في بدايات تشكيل هذا المكون السياسي الذي يطلق عليه دولة .
ومن هذه الرؤية نجد ان مفهوم الديمقراطية يمتلك من القدرة على التقولب والتغير الشيء الكثير ، بل تجد أن محاولات فلاسفة السياسة يجدون انفسهم في نهاية أي نقاش يختمونه بجملة " أن لكل زمان دولة ورجال " وأن الديمقراطية ليست بقالب يتم وضع أو اجبار الدول على التقولب فيه ، كي تكون هناك حالة من " القوالب " المتشابهة لبعضها البعض .
وما حدث في مجلس النواب بالأمس عند إقرار ميزانية الدولة لعام 2015 يؤكد على أن قالبنا الأردني للديمقراطية فريد في شكله ، وهنا نتحدث عن أول مقومات الديمقراطية بمفهومها الاصطلاحي المتفق عليه وهو سماع الأخر ، والابتعاد عن الشخصنة والانفعالية عند قيام السلطة التشريعية بتشريع القانون أو التوافق على ميزانيات الدول ، والمشهد الذي تم بثه عبر المواقع الاخبارية الالكترونية دون تقطيع أو مونتاج أظهر حالة فقدات صفة الاستماع في مجلس النواب .
وكان المشهد عبارة عن اجساد تقف وتجلس وايدي ترتفع وتنخفض ، وأصوات تخرج من كل الاتجاهات وتوجه لكل الاتجاهات في نفس الوقت ، لدرجة أن محاولة البحث عن نسق للحدث هي الفشل ، بل يجد المتابع نفسه في وسط عاصفة من الأصوات وحركات الاجساد يصعب الخروج منها دون اصابات فكرية تنتهي بعجز عقلي عن فهم ما يجري .
وبالعودة لما سبق نجد أن ديمقراطيتناهي هكذا رغبنا في ذلك أم لم نرغب ، وهي ديمقراطية خرجت من رحم مجتمعنا الذي يعرف الجميع حجم ما فيه من تناقضات ؛ وأولها أن من كان يقرر ميزانية الدولة في االمجلس هم لايمثلون أحد وثانيها أن محاولاتهم لرسم الديمقراطية المتفق عليها مبدئيا بين أهل السياسة كانت فاشلة لأنه ليس هناك من سيحاسبهم ، وعلينا أن نرضى بها كما هي وكما تقول رحمة الوالدة " العبوا يا أولاد واللعب على رأس أمكم أخر النهار " ورأس الأم لدينا هو الشعب .