درجت بين الأطفال قديما لعبة تعرف باسم " يله نتكهرب " ، وتفاصيل هذه اللعبة التي لا يُقدم عليها، سوى الأطفال الأشقياء ممن يمتلكون الجرأة الكافية لمخالفة تحذيرات وتعليمات الأهل ، أنها تعتمد على سلك رفيع أو مفك (ممصوع ) الجلدة العازلة، ليتحول إلى موصل للكهرباء ، وما على هؤلاء الأشقياء سوى وضع ذلك السلك أو قطعة الحديد في المفتاح الكهربائي (البريز أو فيش الكهرباء ) كونه موصلا للتيار الكهربائي .
والحبكة في اللعبة تكمن بعد ادخال السلك في "فيش الكهرباء" ، حيث يتلامس القطبان ليصل التيار الكهربائي إلى يد الطفل الأول،فيسري في جسده الذي ينتفض ويبدأ يتراقص، وينتقل تاليا التيار إلى جسد الطفل الآخر، الذي يمسك بصديقه ليبدأ بالانتفاض والتراقص هو الآخر مثل صديقه ، وما إن يتشبع الطفلان من جرعة التيار الكهربائي البسيطة التي تكهرب جسديهما المتراقص ،دون أن يقتلا ، يقوم الشقي الأول بسحب السلك أو قطعة الحديد، ليتوقف تدفق التيار الكهربائي إلى جسديهما الغض ، عندما يبدأ الأطفال المرافقون المراقبون لنتيجة التجربة الخطرة التي يمارسها أصدقاؤهم بالضحك بعد أن يطمئنوا على أن أصدقاءهم، لم يمسوا بسوء ، وذلك بعد لحظات كانوا قد قضوها بالترقب والخوف من نتيجة تجربة سريان التيار الكهربائي في جسد أصدقائهم.
وما إن تنتهي نوبة الضحك بين اللاعبين ، حتى يبدأ الأطفال في تبادل الأدوار، فالمشاهد يتحول إلى قابض على سلك الكهرباء المعزول الموصول بمفتاح الكهرباء ليعيش تجربة سريان التيار الكهربائي في جسده ، ويشعر بالشعور الذي مر به اصدقاؤه أمام عينيه ولم يكن بالإمكان أن يصف شعورهم دون الخوض في تلك التجربة الجديدة والمثيرة، وبالتأكيد البعيدة عن أعين الأهل ،الذين يحذرون من خطورة اللعب بالكهرباء وعواقبه غير المحمودة.
قد تكون هذه اللعبة ، التي مارسها العديدون منا من الأجيال السابقة ، قد تلاشت في أيامنا هذه؛ لشيوع الألعاب الإلكترونية المتطورة والحديثة، التي تتيح خوض تجارب أكثر شراسة من تلك ، إلا أنه من الواضح أن هذه اللعبة لم تنقرض بعد كغيرها من الألعاب الشعبية ، والفضل يعود إلى مجلس نوابنا الكريم وحكومتنا الرشيدة، الذين عادوا بنا لممارسة هذه اللعبة ، إلا أن الأسس الوضعية لأصول اللعبة لم تعد واضحة ، فغاب منها من يؤدون الأدوار في اللعبة ، وما هو "بريز الكهرباء "، ومن يؤدي دور الاطفال ، ومن الموصل للتيار الكهربائي ، وهل هو تيار ذاتي أم خارجي ، ولم يعد معروفا الغاية من اللعبة ، ولا حتى المقصود منها،وهل يقتصر فقط على خوض تجربة سريان التيار الكهربائي في أجسادهم ، وهل المقصود أن يكهربوا أنفسهم أم كهربة الغير.
وتبقى كلها الاحتمالات واردة ،إلا أن الأمر غير المفهوم في إعادة إحياء هذه اللعبة المندثرة ، من يمثل هؤلاء الأطفال الذين ينظرون إلى نظرائهم المتكهربين أصحاب الضحكة المدوية إثر سريان التيار الكهربائي بعد حالة الترقب والخوف ، هل هم الشعب أم النواب أم الحكومة؟!
بالمحصلة أن التناوب بين الضاحك والمضحوك عليه ، والمتكهرب والمكهرب، أن الجميع يتبادل الأدوار في هذه اللعبة ، الكل يتهرب، والكل يترقب النتائج، والكل يضحك ،فيما يبقى الوطن هو الخاسر الوحيد ، وستكشف الأيام لنا من الذي تكهرب ومن كهرب من ، بغض النظر عن المحرض لهؤلاء الأطفال على ممارسة هذه اللعبة، وضد من ولصالح أي طرف ؟!.
والله واتكهربنا.
Jaradat63@yahoo.com