أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
إصابة جنديين إسرائيليين خلال تبادل لإطلاق النار بمخيم نور شمس استطلاع: الإسرائيليون ما زالوا يفضلون غانتس لرئاسة الحكومة القاهرة تحذر من عواقب اتساع رقعة الصراع مصادر حكومية: إسرائيل لن تعلن رسميا مسؤوليتها عن الهجوم على إيران شركات الطيران تغير مسار رحلاتها بعد هجوم إسرائيل على إيران قائد بالجيش الإيراني: مسيرات صغيرة هاجمت أجواءنا صحيفة: إسرائيل أطلقت صواريخ بعيدة المدى على إيران إسرائيل نفذت ضربة ضد إيران في ساعة مبكرة الجمعة كاميرون: نعتقد أن خفض التصعيد أمر أساسي بايدن يحذر الإسرائيليين من مهاجمة حيفا بدل رفح أمبري: على السفن التجارية في الخليج وغرب المحيط الهندي البقاء في حالة حذر مسؤول إيراني: لا توجد خطة للرد الفوري على إسرائيل سانا: عدوان إسرائيلي استهدف مواقع الدفاعات الجوية في المنطقة الجنوبية السفارة الأميركية بالكيان تضع قيودا لموظفيها حماس تدعو لشد الرحال إلى الأقصى الذهب يواصل الصعود عالميًا بن غفير: الهجوم ضد إيران مسخرة تأخر طرح عطاء تصميم المرحلة 2 من مشروع الباص السريع صندوق النقد الدولي: الاردن نجح في حماية اقتصاده الجمعة .. انخفاض آخر على الحرارة
الصفحة الرئيسية فعاليات و احداث جدلية تأويل النص الديني

جدلية تأويل النص الديني

31-10-2014 01:26 PM

زاد الاردن الاخباري -

الدكتور الشيخ عمر البطوش

الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلاة على رسول الله وآله وصحبه أجمعين،وبعد:

فليس فهم الدين بمعزل عن الواقع ومتعالياً عليه كما يفهم بعض الإسلاميين، بل فهم الدين معطى بشري ناتج من جدلية النص الديني والواقع، ولا يمكن أن تُفهم أسباب نشأة الفرق الدينية ومقولاتها وتحولاتها من دون القراءة الواعية للواقع الذي نشأت فيه؛ لأنها في محصلتها النهائية إنما هي من إفرازات ذلك الواقع، وبناء على هذه المقدمة البدهية فإن المشروعات الفكرية الحديثة في قراءة النص الديني إنما جاءت استجابة للتحدي الحضاري الذي فرضه الصدام مع الحضارة الغربية بمقولاتها ومنتجاتها الفكرية والفلسفية والاجتماعية التي تحولت إلى مكون رئيس من مكونات فكرنا العربي الحديث، وإذا أردنا البحث عن بداية لتلك المشاريع فيجب أن نعود إلى لحظة الاحتكاك بالحضارة الغربية. ففي أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بدأت محاولات العلماء والمفكرين لإعادة قراءة التراث وطرح مشروعات فكرية للنهوض بالأمة والانعتاق من أسر الحضارة الغربية، فكانت أطروحات محمد عبده وجمال الدين الأفغاني ورفاعة الطهطاوي وقاسم أمين ومحاولاتهم التوفيق بين النص الشرعي وبعض المنتجات الفكرية للحضارة الغربية وظلت أطروحاتهم في قراءة النص الديني داخل محيط التداول الإسلامي للنصوص، محتفظة بطريقة الاجتهاد المتعارف عليه في السياق المعرفي الإسلامي، وذلك بإعمال آليات (التأويل) أو(إعمال المصلحة) و(التحسين العقلي)، وغيرها من آليات الاجتهاد المعرفي الإسلامي، ثم في الخمسينيات من القرن العشرين بدأت موجة أخرى من المشروعات الموجهة للتعامل مع النص الشرعي، ومع هذه الموجة بدأت منهجية قراءة النص الشرعي بوساطة المناهج الحديثة وخاصة قراءة القصص في القرآن الكريم كما في أطروحات طه حسين، وأمين الخولي، ومحمد أحمد خلف الله، مستخدمين في قراءتهم لتلك القصص آليات العقل الإنساني التاريخي،وبداية من نهاية الستينيات بدأت الموجة الثالثة؛ إذ اتجهت الجمهرة الكثيرة من المثقفين العرب إلى إعادة قراءة التراث مما شكل ما يشبه الظاهرة، وهو ما دفع جورج طرابيشي إلى تسمية تلك الظاهرة،هذه الظاهرة التي تكونت من عدة تيارات؛ منها ما كانت قراءته على ضفاف النص الديني، ولم تتعامل مع النص الديني مباشرة كالجابري، والعروي، وحسين مروة، وجورج طرابيشي، ومنها تيارات أخرى كانت مجال قراءتها النصوص الدينية نفسها وهي على قسمين: منها ما كانت قراءته ضمن منهج التداول الإسلامي اعتماداً على (التأويل) كجمال البنا، ومحمد العشماوي.

وقسم آخر من المفكرين كانت مشاريعهم تستمد آلياتها من خارج نطاق التداول الإسلامي للاجتهاد؛ فهي تعتمد على مناهج غربية حديثة في قراءتها للنص؛ فمن المغاربة برز محمد أركون الجزائري، وهو ينحو منحى القراءة التفكيكية للنص الديني والكشف عن (اللامفكر فيه) في ذلك النص - حسب تعبير أركون– مستعينا بمنهج الحفر الأركيولوجي،والقراءة السيميائية،
والتاريخية للنص الديني،وفي مصر برز حسن حنفي حيث طرح مشروعه(من العقيدة إلى الثورة) وهو محاولة لإعادة تفسير المقولات الكلامية عن (الله، والغيب، والدين) بتفسير جديد لبث روح عصرية تحمل روح الثورة والتغيير،ثم حامد نصر أبو زيد ومشروعه الفكري الخطير والكبير إعادة قراءة النص الديني قراءة تاريخية مستعينا بمنهج الهرمنيوطيقا (الـتأويلية).

وفي الشام برز الطيب التيزيني في مشروعه إعادة قراءة النص الديني من خلال الوضعية الاجتماعية المشخصة المرافقة لنزول النص وتاريخه، مستمداً من خلفيته الماركسية منهجها في قراءة المجتمعات من خلال الصراع الطبقي، ومحمد شحرور واعتمد في قراءته للنص القرآني على المنهج اللغوي المعجمي في تفسير المفردات، دون النظر إلى سياقات الكلام، وذلك بإعادة تفسير الكليات الدينية (الدين، الإسلام، الرسول، النبي) بتفسير لغوي جديد، يحيل إلى معان جديدة، ثم توليد معاني جديدة من هذه الكليات لتفسير فرعيات الدين، واعتمد على المنهج التاريخي في قراءته للسنة.
هذه – تقريباً– مجمل المحاولات الحديثة لقراءة النص الديني في أطروحات المثقفين العرب والإسلاميين، ومن الصعب الوقوف عند كل قراءة في هذاالمقال المختصر والسريع، ولهذا سوف نقف عند قراءة حامد نصر أبو زيد، وذلك لأنها – من وجهة نظري-من أهم وأخطر القراءات الحديثة التي طُرحت لقراءة النص الديني في المحيط الثقافي العربي والإسلامي، وهي قراءة تتسم بالعمق والجدة والثراء والتماسك، والخطورة في الوقت نفسه، فقد استطاع حامد نصر أبو زيد تسويق مشروعه الأيديولوجي (العلمانية) من خلال تلك القراءة، ولعل ما يميز حامد أبو زيد – غير مقدرته الفكرية - وعيه العميق بالشروط الموضوعية (سياسياً واجتماعياً وثقافياً) لنجاح المشروعات الثقافية، ولهذا فهو طرح قراءة نقدية لمشروعات التنوير منذ عصر النهضة الحديثة مروراً بطه حسين وانتهاء بزكي نجيب محمود، فيرى أن إصلاحيي النهضة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين أخفقوا في إحداث نقلة نوعية في تجديد فهم الإسلام، ويعزو ذلك لعدم مقدرتهم على تجاوز الرؤى السائدة وسط أغلب المسلمين، بأن القرآن يجب أن يطبق في كل الأماكن والأزمنة، وفي سبيل التوفيق بين نصوص القرآن والمعضلات الفكرية التي طرحتها الحضارة الغربية آثر أغلب الإصلاحيين –من وجهة نظره- التعامل مع القرآن بطريقة برجماتية؛ فهم يستحضرون فقط الآيات التي تلائم مقاصدهم، ويتجاهلون تلك التي لا تتلاءم مع هذه المقاصد، ويرى أن هذا التوجه قد هيمن على أغلب التيار الإصلاحي الإسلامي في الواقع المعاصر، ومن هنا فهو ينادى بمشروع ينقل الإصلاح الديني إلى داخل (النص القرآني نفسه)، وذلك بإعادة قراءة النص قراءة تاريخية، وقبل أن نتحدث عن فكرته حول تفسير النص، يجدر بناأن نُعَرِّف بمدلول مصطلح (التاريخية)؛ فالتاريخية كما يعرفها الفرنسي آلان تورين -وهو من أهم رواد علم الاجتماع المعاصر- هي (المقدرة التي يتمتع بها كل مجتمع في إنتاج حقله الاجتماعي والثقافي الخاص به ووسطه التاريخي الخاص به أيضاً).
ويضيف آلان تورين: (ما سوف أدعوه بالتاريخية هو إذن الطبيعة الخاصة التي تتميز بها الأنظمة الاجتماعية التي تمتلك إمكانية الحركة والفعل على أنفسها بالذات وذلك بوساطة مجموعة من التوجهات الثقافية والاجتماعية).

وعليه فإن التاريخية بهذا المعنى هي النظر إلى النصوص الثقافية على أنها إنتاج ثقافي محكوم بالحقل الاجتماعي والثقافي والسياسي للمجتمع وفق ظروفه التاريخية والجغرافية، هذه الرؤية الثقافية للنص هي نفسها التي دعا إلى إعمالها نصر حامد أبو زيد في التعامل مع النصوص الثقافية عامة (كل النصوص تستمد مرجعيتها من الثقافة التي تنتمي إليها)، فهو لا يفرق بين النص البشري والنص الديني (القرآن)، فهما عنده متساويان من حيث قوانين التكون والبناء وإنتاج الدلالة كما يعبر:(النص القرآني يستمد مرجعيته من اللغة... وإذا انتقلنا إلى الثقافة قلنا إن هذا النص منتج ثقافي) منتج ثقافي باعتباره محكوماً بالقوانين الداخلية البنيوية والدلالية للثقافة التي ينتمي إليهاوكذا يقول:(ليست النصوص الدينية نصوصاً مفارقة لبنية الثقافة التي تشكلت في إطارها بأي حال من الأحوال والمصدر الإلهي لتلك النصوص لا يلغي إطلاقاً حقيقة كونها نصوصاً لغوية بكل ما تعنيه اللغة من ارتباط بالزمان والمكان التاريخي والاجتماعي).

وفي الوقت الذي يرى أن مصدرها إلهي إلاّ أنه مع ذلك يرى أنها بخضوعها لقوانين الثقافة الإنسانية فهي قد تأنسنت من هذه الحيثية كما يقول:(إن النصوص دينية كانت أم بشرية محكومة بقوانين ثابتة، والمصدر الإلهي لا يخرجها عن هذه القوانين؛ لأنها تأنسنت منذ تجسدت في التاريخ واللغة وتوجهت بمنطوقها ومدلولها إلى البشر في واقع تاريخي محدد، إنها محكومة بجدلية الثبات والتغير؛ فالنصوص ثابتة في المنطوق متحركة متغيرة في المفهوم، وفي مقابل النصوص تقف القراءة محكومة أيضاً بجدلية الإخفاء والكشف)،وإذ قرر أن القرآن الكريم في محصلته النهائية منتج ثقافي مفارق لمصدره الإلهي، فهو يخضع كما يدعي – شأنه شأن أي نص ثقافي – للمناهج الحديثة في قراءة النصوص كـ(الهرمنيوطيقا)، و(السيموطيقا)، وغيرها من المناهج؛ وذلك لأن النصوص القرآنية كما يقول:(دلالتها لا تنفك عن النظام اللغوي الثقافي الذي تعد جزءًا منه يجعل من اللغة ومحيطها الثقافي مرجع التفسير والتأويل).

وقد حاول نصر أبو زيد تسويق نظرته التاريخية للنص القرآني من داخل التراث وذلك بالاتكاء على القول بخلق القرآن عند المعتزلة؛ فهو يرى أن القول بتاريخية النص القرآني فرع عن النظر إلى الأفعال الإلهية وفعلها بالعالم المخلوق المحدث ولهذا فالقرآن عنده (ظاهرة تاريخية من حيث إنه واحد من تجليات الكلام الإلهي).

وهذا الصنيع من أبي زيد مغالطة معرفية وفكرية؛ فالمعتزلة قالوا بخلق القرآن مبالغة منهم في تنزيه الله؛ لأنهم يرون أن القول بأن القرآن ليس مخلوقاً هوالحكم له بالقدم وهذا يؤدي إلى تعدد القدماء، فلجؤوا إلى القول بخلقه لتنزيه الله وتقديسه، وفي الوقت نفسه ينسبون القرآن لله على جهة الخلق، ونصوصه عندهم لها قدسيتها- مع التنبيه في هذا المقام إلى أننا لا نقول بقول المعتزلة وغيرهم بخلق القرآن الكريم؛فنحن نصف حالهم ولا نؤمن به-
ورؤية أبي زيد مضادة لتلك الرؤية تماماً، فقوله في محصلته النهائية التسوية بين القرآن الكريم وكلام البشر، وذلك أن هذا المنهج الذي يطرحه نصر أبو زيد لقراءة النص الديني يؤدي – من وجهة نظري – إلى أمرين، أحدهما نزع القداسة عنه وتحويله من نص ديني مقدس له خصوصيته إلى نص قابل للنقد، والأمر الثاني: نزع ثبوت الدلالة عن النص نهائياً، وتحويله إلى نص متغير الدلالة حسب الظروف التاريخية للقارئ، وإذا كنا نتفق معه أن ثمة نصوصاً متغيرة الدلالة، فإن الحكم على جميع النصوص الدينية بأنها متغيرة الدلالة تحيل في محصلتها النهائية إلى نسخ الدين مع تعدد القراءات وتغير الوقائع التاريخية،وهنا تكمن الخطورة.
والدين – بصفته ديناً- لا ينفك عن صفة الثبات في أصوله، وفي كثير من تعاليمه وأحكامه.
ومع ذلك هنالك من أحكامه الفرعية ما يقبل التغيير بتغير الزمان والمكان والأشخاص والأحوال والبيئات،وهذا ما لا يمكن إنكاره،ولكن له ضوابطه المقرره،وأصوله المحرره،ولعلنا في المقالات القادمة نفرد لهذا الموضوع المهم نصيبا من التأصيل والتفصيل.

وأما بالنسبة للقرآن الكريم فهو خطاب مفتوح أبد الدهر مع تجدد القراءات، وتوالى العصور، ولأنه ـ كما قال علي بن أبي طالب...وروي كذلك عن عمر بن الخطاب: (حمال ذو وجوه).......... كان الغالب على خطابه لفظة (التأويل).......... لا (التفسير)، فقد استخدم القرآن اللفظة الأولى سبع عشرة مرة...... بينما لم يستخدم الثانية إلا مرة واحدة في قوله تعالى: (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا).

وللحديث بقية.....
والحمد لله رب العالمين.





تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع