تمثل الحالة " الداعشية " في الإعلام الجديد تطور كبير في العلاقة بين الوسائل الإعلامية والنظم السياسية والاقتصادية والمجتمعات ، وقد جاءت فترة السبعينيات من القرن الماضي مقدم الظهور ما أطلق عليه " نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام " ، وهي تستند على مجموعة فرضيات من أبرزها أن الأفراد داخل المجتمعات يبحثون عن المعلومات من مصادرها التي تتحكم بها الوسيلة الاعلامية ، والتي تخضع للقواعد السياسية التي تحكم الأنظمة وللقواعد الاقتصادية اليت توفر لتلك الوسائل التمويل والقدرة على البقاء ، ويزداد الطلب على المعلومات من قبل الأفراد عندما يكون المجتمع يمر بحالة من عدم الاستقرار السياسي أو الاجتماعي أو الإقتصادي .
وأول هذه التطورات التي فرضها الإعلام " الداعشي " أنه حطم العلاقة الاقتصادية من خلال قدرته على إعداد البرامج الدعائية والاخبارية له وبأقل تكلفة ممكنه ، وهي تكلفة يمكن توفرها للهواة من الشباب ، وثانيها أنه وفر للجمهور في المجتمعات التي يدير معركته بها المعلومات التي هم بحاجة لها ، وبعيدا عن وسائل الإعلام الرسمية التي فقدت مصداقيتها على مر عشرات السنين سيطرة بها تلك الوسائل على المعلومات ، وثالثها أن ذلك الإعلام " الداعشي" أوجد أو فرض لنفسه حالة سياسية تقوم على أساس ديني يجد قبول من عدد لايستهان فيه من أفراد تلك المجتمعات التي ومع بدء ضربات التحالف " العربي المسلم والغربي المسيحي " رسخ لدى ذلك الجمهور فكرة الحرب الصليبية .
وبين كل تلك التطورات قدم هذا الإعلام " الداعشي" تقنية فنية وحرفية في إخراج الصورة من أرض المعركة ؛ إفتقدت لها معظم القنوات الاخبارية الفضائية التي تغطي الأحداث ، وهي قنوات رغم الميزانيات الضخمة لها والقوة السياسية التي أوجدتها مازالت تعتمد على صورة الهاتف النقال والصورة التي تقفز جميع في جميع الاتجاهات، وهي صورة فقدت مصداقيتها لدى الجمهور بعد ثلاث سنوات من بدء الربيع العربي الذي كانت أول صوره تعرض بورقة بيضاء تؤرخ للحدث وتكتب بخط سيء.
ونتيجة لكل ما سبق أصبح الإعلام " الداعشي" مصدرا رئيس للأخبار عن ذلك التنظيم ، بل نجد أنه يتم إعادت عرض ما يبث وإن كانت مدته ليست سوى ثواني قليلة ، ولكنها تقدم رسائل أكثر قوة مما يقدمه إعلام التحالف الذي إستبغ بمسمى الإعلام الذي ينام في حضن " قوات التحالف " ، وهو إعلام لايخلو من الصفة الإستعراضية السينمائية التي تشابه أفلام السينما الأمريكية " توب قن " وسلسلة أفلام رامبوا ، ويكفي أن لقطة " الداعشي " الذي يحمل العلم ويسير على قمة جبل سجلت كجقوق ملكية فكرية لهم تعادل وربما تزيد عن لقطة تمثال الحرية النسائي لمجموعة شركات هوليود ؟ .