لا يملك أحد ، وقاحة زائدة أكثر من الجنرال غيورا أيلاند ، في تبرير الجرائم التي إرتكبها جيش الإحتلال الإسرائيلي ، ويواصل إقترافها مع أجهزته الأمنية المختلفة ، ضد شعب غزة المحاصر ، لقوله " لا يوجد شيء إسمه مدنيون أبرياء " ، مثلما سبق وقال رئيس بلدية أسديروت " أهالي غزة ، لا يستحقون الرحمة ، فهم إما فتح أو حماس ".
وهذا تعبير حسي ملموس ، من قبل جنرال عسكري ، وقبل من رئيس بلدية مدني ، وكلاهما يُعبر عن ثقافة واحدة ، ومرجعية واحدة ، يعبران عن مدى العنصرية والعداء الذي يكنه هؤلاء ويشعرون به ، ويمارسون سياستهم وإجراءاتهم على أساسها ضد الشعب العربي الفلسطيني ، وهم بسياستهم هذه ، يشبهون بل يعبرون بشكل دقيق ، عن سياسة النازية الألمانية وممارساتها ، وشراكتها مع الفاشية الإيطالية ضد اليهود ، قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية ، وسلسلة الجرائم والمحارق والهولوكوست التي إرتكبت بحق اليهود ، لأن الثقافة العنصرية ، والتحريض الأعمى ، والعداء للأخر بصرف النظر عن دينه وقوميته ولونه تؤدي إلى إرتكاب الأثام والمجازر والقتل ضد الأخر بدون أي شعور بالذنب ، أو رادع من ضمير ، أو أي إحساس بالمسؤولية كبشر نحو الإنسان .
وثقافة هؤلاء العنصريين ، تشبه ثقافة البعض منا ، الذي لا يفرق بين صديق يجب كسبه والتعاون معه ، وشراكته ، ودفعه وإقناعه للإنحياز لعدالة قضيتنا ، وبين من هو عدو يجب عزله وتطويقه ومقاومته على طريق هزيمته ، حينما نقول " كلهم يهود ، كلهم صهاينة ، كلهم أعداء " ونوفر على أنفسنا جهد التدقيق ، وثقل العمل ، وضرورة إختراق المجتمع الإسرائيلي ، والطوائف اليهودية النافذة المنتشرة في العالم ، بهدف كسب إنحيازات من بين صفوفهم ، لعدالة قضيتنا وشرعية نضالنا ، وأحقية مطالب جُزئي الشعب الفلسطيني ، 1- الجزء المتمسك بالوطن رغم العذابات المرافقة والذي يُطالب بالإستقلال ، و2- الجزء الثاني المشرد الفاقد للإستقرار والطمأنينة ، ويطالب بالعودة إلى وطنه الذي لا وطن له سواه ، فلسطين .
لندقق ما كتبه أفي شلايم في كتابه " إسرائيل وفلسطين " الصادر عام 2013 ، بالإنجليزية والعربية إذ يصف نفسه على أنه " يهودي عربي أو عربي يهودي ، وربما تكون هذه التركيبة معقدة ، ولكنني ، حينما كنا في العراق مع أسرتي ، كنا نتكلم العربية في البيت ، وكانت الموسيقى التي نسمعها ، موسيقى عربية ، ولقد رحلنا إلى إسرائيل عام 1950 ، ليس إيماناً أو إلتزاماً بالقضية الصهيوينة ، ولكن لظروف خارجة عن سيطرتنا ، فقد كان والدي وجدتي يصفون العراق على أنه جنة من عند الله".
ويقول شلايم " لقد أعطى وعد بلفور 10 بالمائة من السكان حق إنشاء وطن قومي لهم ، وأعطى نسبة 90 بالمائة من السكان حقوقاً مدنية ودينية فقط ، وهذا هو السبب الرئيسي في المشكلة " وزاد عليها ما حصل لاحقاً ، حيث تم نزع إسم فلسطين من الخارطة فيقول حرفياً " اليهود في حرب فلسطين كانوا أشبه بغزاة ، حاولوا إغتصاب أكبر جزء من فلسطين ، وقد إستولى اليهود على جزء أكبر بكثير مما ورد في قرار التقسيم ، وكان هذا على حساب الفلسطينيين " فهل ثمة منصف يهودي ، أنصف الشعب الفلسطيني أكثر من هذا ؟؟ .
ثمة عاصفة هوجاء ، لم تتوقف بعد ، تجتاح مجتمع المشروع الإستعماري الإسرائيلي ، على خلفية رسالة جنود وضباط الإستخبارات ، الذين أعلنوا رفضهم الخدمة في الوحدة المسماة 8200 ، فكتبت هأرتس في إفتتاحيتها يوم 15/9/2014 ، حرفياً تحت عنوان لنستمع إلى الرافضين ما نصه :
" 43 من خريجي وحدة الاستخبارات 8200 قرروا الرفض ، في رسالة بعثوا بها الى رئيس الوزراء وقادة الجيش وجهاز الامن ، كتبوا بعد أن تبين لهم ، أن الإستخبارات التي خدموا فيها هي جزء من جهاز السيطرة العسكرية على المناطق ( الضفة الفلسطينية وقطاع غزة ) ، وان المعلومات التي جمعوها تستخدم للإضطهاد السياسي ، لتجنيد العملاء ، وإبتزازهم بوسائل مختلفة ( غير نظيفة ) ، بما في ذلك استغلال الميول الجنسية ، الامراض ، والأزمات المالية وغيرها ، التي تواجه الفلسطينيين الأبرياء " .
وبينما هاجم الرافضين للخدمة ، رئيس الحكومة الذي دافع عن رجال الإستخبارات ، وأثنى عليهم ، ووزير المواصلات الليكودي إسرائيل كاتس ، ورئيس لجنة الأمن والخارجية في البرلمان ، زئيف ألكين وقال إنهم " طعنوا الجيش الإسرائيلي بالسكين في الظهر " وقائد وحدتهم السابق العميد حنان جيفن حين قال " يجب معاملتهم ، والحكم عليهم ، في غرف تحقيق المخابرات " ، دافعت عنهم إفتتاحية هأرتس بقولها " ليس فعل رفضهم هو الذي ينبغي أن يعصف بالخواطر .
بل المظاهر التي أشاروا إليها ، فلولا رسالة الرافضين ، ما كان الجمهور الإسرائيلي ، يعرف نوع وحجم هذه الظواهر التي لا ينبغي النظر إليها إلا كنتائج حتمية للإحتلال الطويل ، لقد حاول الرافضون أن يرفعوا هذا السلوك الأشكالي إلى السطح ، وتعريته ، ولهذا فإنهم لا يستحقون الشجب ، ولذلك بدلاً من الهجوم على الـ 43 رافضاً ، من الأفضل الإستماع لما لديهم ليقولوه " .
وكتب ناحوم برنياع ، في يديعوت أحرونوت ، بنفس اليوم 15/9 ، كتب يقول " الإحتلال مُفسد ، كما يقول الرافضون من وحدة 8200 ، وهم صادقون ، ففي أحسن الحالات ، تمنع المعلومات التي يجمعونها عملية تخريبية ، لكنها في حالات كثيرة تخدم شر الإحتلال وتعسفه وغباءه ، أو تُهيئ رزمة حسنة تخدم سياسة كاذبة للحكومة الإسرائيلية ، الرفض ضرر ، ولكن السياسة الإسرائيلية المتبعة ، هي كارثة ، على مستقبل دولة إسرائيل " .