في عزلة ليل آخر تغيرت ملامحه في بلدتي الصغيرة ، لا أنفك عن التفكير به ، وجهه ذاك اليوم، صوته، ابتسامته، انينه، بكاؤه، كلامه، حتى صمته كان له مذاق آخر,,
كان يمشي في ظلمة الليل وحيدا، لا يوجد في الشارع سواه وبعض من الكلاب الضالة التي تجوب شوارعنا ليلاً، وقف قليلاً واستنار تحت مصباح يكاد ضوئه ان يختفي لينظر في ساعته، وتابع سيره ، دخل المسجد المطل على منزلي ، فلمحته يناجي الله من شرفة غرفتي، جلست في سكون أنظر اليه وارتقبه لعلي اعرف ما سر هذا الشاب الذي لم اره من قبل في حينا هذا..
أنصتُ وانصت اليه ، تارة يصمت وتارة يحكي، تارة يضحك وتارة يبكي
وتارة اخرى تتصاعد منه الانفس ليقول :
يا الله ارحمني، يا الله غفرانك، يا الله مالي سواك ... وبعدها يذهب في صمت يشمل كل معاني اللاكلام .
اتظرته لساعات وهو يجلس وحيدا ، لم اعرف حقاً حين تملكني الخوف من سكونه هل هو حي ام ميت ، نهضت من مكاني مسرعة اريد ان اجد احد المارين في الشارع ليذهب ويتفقده لكني لم اجد سوانا نحن فهو في المسجد يناجي، وانا في عتمة الليل اتابعه..
مرت لحظات واذ به يقوم من مكانه ويصلي ، اطال الصلاة جدا حتى ظننت انه تاه في غيابات اللاوعي وشرد عقله في الصلاة ، ولم اكن ادرك حينها ان هذا هو الخشوع بين يدي الرب.
انتهى من الصلاة وجلس يقرأ من صفحات مصحف موضوع بجانبه
فسمعت صوتاً لم اسمع بجماله من قبل، صوتا شجياً عذباً تعلوه نية خالصة في التوية والعودة للخالق عز وجل بصفحات بيضاء من العمل الصالح، لم اتمالك نفسي عندما شعرت بما يريد ان يقوله لله وانهمرت دموعي بغزارة ، لم اعلم لما بكيت لكنني كنت في رغبة شديدة للبكاء فقد مررت بما يمر به ذات يوم وتمنيت لو بعثت من جديد مرة اخرى وعدت صغيرة لاجعل حياتي كلها من اجل الله وفي طاعة الله وابتغاء لمرضاته عز وجل.
فما من احد يذوق حلاوة الايمان الحق والاسلام الحق ولا يرق قلبه لرؤية عبد تائب ..
بعد ثلاثة ساعات من المتابعة له دون ملل وانا اسمع الايات التي يتلوها لحين وصوله لسورة اتلوها في كل صلواتي وهي سورة الضحى ، وكأني اسمعها لاول مرة ، قراها وتوقف عند اية هزتني مما رايت من علامات ظهرت على وجهه
قراها مرات عدة وفي كل مرة يزداد بكاؤه ..
بسم الله الرحمن الرحيم:
"" ولَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ""
بكى بشدة حتى انه ابكاني معه، ثم قال:
بلا يا رب ، عصيتك ، فأمهلتني
افقرت نفسي بالملذات ، والبطاعات انت اغنيتني
عدت اليك متوسلاً وطلبت منك العفو ، فغفرتلي
طلبت منك ما في نفسي ، فأعطيتني
كنت في ضلاله ، وبرحمتك هديتني
وبعد ان انتهى مسح دموعه ، وقام ليأذن لصلاة الفجر ، صلى بالناس في تلك الليلة وعاد الى منزله وانا اراقبه وهو يختفي في ظلام الشارع ولم اره منذ تلك الليلة ...
أصدقائي الأعزاء هذه ليست قصة حقيقية لكنها من وحي خيالي،
خيالي الذي يتمنى ان يرى شباب امة محمد صلى الله عليه وسلم الذي فعل الكثير من اجل هذا الدين واجلنا يصبحون في يوم من الايام هكذا..
ليفخر بنا ويشفع لنا برحمة من الله يوم القيامة ونرافقه في جنان الخلد ..